التاريخ يعيد نفسه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم يكن الخوارج مهتمين سوى بالمظاهر الشكلية لمعنى الدين والتدين، فهم يطيلون القيام والركوع والسجود في صلواتهم، يكثرون من تلاوة القرآن في كل حين، لا تكاد تخلو مجالسهم من الذكر والتسبيح. ولكنهم في حقيقتهم بعيدون عن الدين بكل ما فيه من قيم ومبادئ، مجردون من كل معاني الإنسانية، مجبولون على التوحش وسفك الدماء.
فلماذا لم ينعكس تدينهم الشكلي على تصرفاتهم وسلوكياتهم وأعمالهم وأفكارهم وسياساتهم وأحكامهم؟
والجواب لأنه: لم يكن لديهم أي فهم أو بصيرة! «لم يكن لديهم أي تحليل سياسي للواقع».
فقد وجدناهم في معركة صفين، يسحبون سيوفهم على إمام الأمة ويجبرون علياً (عليه السلام) على التحكيم!
وبعد التحكيم، عندما رأوا أنهم قد خدعوا... ومرة أخرى نجدهم يقفون وجهاً لوجه مع علي، وقالوا له: تب فقد كفرت بقبولك بالتحكيم!
إن قاتل علي (عليه السلام) لم يكن كافراً، لقد كان ابن ملجم يحمل السيف مع علي (عليه السلام)!
وبعد أن تولى علي (عليه السلام) الخلافة بايعه ابن ملجم.
وقاتل معه في معركة الجمل!
ولكن بعد موقعة صفين وانتهاء التحكيم انضم إلى الخوارج، وقد قاتل جنباً إلى جنب مع الخوارج علياً (ع) في معركة النهروان وكان من الناجين القلائل من الحرب.
لذلك يجب أن تعرف: أن المسافة بين الصواب والخطأ قريبة جداً، أن يكون لك تاريخ وأن تكون بجوار الإمام علي (ع) ليس من علامات السعادة والفلاح والفوز! كون البقاء مع علي (عليه السلام) فناً لا يجيده سوى قلة! ومن خلال قراءة تاريخ وقصص الصحابة وتابعيهم في الإسلام نستطيع اليوم أن نفهم بشكل أفضل ما يجب علينا فعله.
كن ثاقب النظرة، وصاحب بصيرة... بصيرة... بصيرة... وصدقني: ليس شرطاً أن نكون مع علي (عليه السلام) في بدر كي نكون من شيعته، ومحبيه، فحتى اليوم مازال الطريق أمامنا!
ولكن اعلم أنه: عندما يهاجم الذئب، فإنه يهاجم بصوت عالٍ ويكون لديك فرصة للرد، ولكن عندما يغزو النمل الأبيض مدخراتك من الحبوب يكون الخطر أكبر! فهو يأكل مدخراتك سراً وبهدوء منذ البداية!
إن الوقوف في وجه الذئب يتطلب الشجاعة، ودفع خطر النمل الأبيض يتطلب البصيرة!
«البصيرة» ليست معرفة القراءة والكتابة، بل هي «رؤية».
إن البصيرة تعني عدم النظر إلى «الشخصيات»، بل إبقاء عينيك دائمًا على «المؤشرات»... لأن معيار الحقيقة هو الحقيقة، وليس الشخصية!
إن البصيرة تعني معرفة أن المسجد نفسه يمكن أن يكون «مسجد ضرار» يجب هدمه كما هدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
البصيرة هي أن تعلم أن محارب صفين قد يكون هو قاتل الإمام الحسين (ع) في كربلاء..!
المعيار... والمقياس... هو الوضع الراهن لنفسيتك ومجتمعك.
إن البصيرة تعني معرفة أنك لا تستطيع أن تبدأ الحرب أو الفتنة، ولكن عندما يبدأ المنافقون الحرب، يجب عليك قطعهم من الجذور.
البصيرة تعني عدم الاعتراف بـ«مالك الأشتر» كمتطرف و«أبو موسى الأشعري» كمعتدل...!
والبصيرة هي معرفة أن معاوية متعلق بالعناصر الضعيفة في جيش علي (عليه السلام)...!
إن البصيرة تعني المعرفة بأن: التاريخ يعيد نفسه، ليس في تفاصيله، بل في خطوطه العريضة.

أترك تعليقاً

التعليقات