ملاحقة الانحراف
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا بد أن نجعل من تولينا للإمام علي (عليه السلام) سبيلاً لاستدعائه إلينا، وذلك من خلال فهم واستنطاق تجربته، والعمل على إسقاطها على واقعنا، لكي نتمكن بالدرجة الأدنى، من التوصل إلى الحقيقة التي تقول: إن أتباع أئمة الحق وأعلام الهدى ليسوا على قلب رجلٍ واحدٍ، وليسوا بمستوى واحد من حيث الإدراك لعظيم نعمةِ القيادةِ التي أنعم الله بها عليهم، فإذا كان في صف أتباع أمير المؤمنين من عارض عزل معاوية على الرغم من فساده وبغيه وانحرافه، ففي صف الإمام علي (عليه السلام) اليوم من يسلكون المسلك ذاته، فيبقون على الفاسدين مهما بلغ ضرر فسادهم في مناصبهم، ويعملون على استرضاء شيوخ القبائل وزعماء العشائر، كما كان أولئك يريدون من الإمام علي (عليه السلام)، إذ كانوا يريدون أن يجزل لهم العطاء بغرض استخدامهم لبسط نفوذ الحكم والسلطان، حتى وإن أدى ذلك إلى تضييع حقوق المستضعفين وزيادة معاناة عامة الناس من الفقراء والكادحين.
لأن الأتباع الجهلة لأعلام الهدى لا هم لهم سوى دعم الحكم وتقويته في الواقع من خلال قوى النفوذ الموجودة في الساحة، مما يخضع عملية التغيير والإصلاح للتسويات وأنصاف الحلول، كل ذلك على حساب تجاوز المبادئ الأساسية التي قامت عليها حركة التغيير وقتل الأهداف الكبرى في النفوس بعد أن يتم تجميد العمل بها في واقع الممارسة للحكم.
لأن أولئك لا يعون أن توجه الإمام علي (عليه السلام) ذاتاً وامتداداً يختلف تماماً عن توجههم، فليست القضية لديه ولدى كل "علي" من بعده حتى قيام الساعة قضية سلطان لأجل الذات، وبالتالي يريد له أن يعم ويسود كيفما كان، وإنما هي قضية دين ورسالة، يجب صياغة الواقع كله على ضوء مفاهيمهما المستقرة في مقام الفكر والاعتقاد، لاسيما إذا كانت القضية قضية حكم، يجب عليه تقديم النموذج التام الذي يلبي حركة الإنسان وتطلعاته في هذه الحياة.
إذن، ليست قضية الحكم في مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل قضية تجريدية كما هي قضايا الفلسفة التي تعزل أتباعها عن الواقع وتجعلهم يسبحون في فضاء الحلم بوجود المدينة الفاضلة، التي لا وجود لها إلا في حيز الذهنية التي صاغت تصورها ووضعت ملامحها، ولكنها قضية ملاحقة الانحراف في التصورات والممارسات، لتصبح الفكرة والكلمة والخطوة شواهد على مدى السعي لإقامة حكم الله وسلامة القصد وصدق التوجه لنيل رضاه، الأمر الذي لا يقوى عليه إلا نوع من الحكام والمسؤولين، يمتازون بثلاثة أمور بينها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين يقول: "لا يقوى على إقامة حكم الله إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع".

أترك تعليقاً

التعليقات