في المسكوت عنه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إنه القلم الذي أحب، لأنه قلمٌ عايش الماضي معايشةً مكنته من دراسة كل مخرجاته، ونقد كل ما احتواه من أحداث وتجارب مع تقديم صورة كاملة عمن أسهموا في صنع تلك الأحداث، وشاركوا بعضهم بعضاً في خلق تلك التجارب، سواءً من تحرك في خط السلب أم الإيجاب، وسواءً كان من يبدون لجيل اليوم حقيقته ويبينون طبيعة الدور الذي قام به وملامح النهج الذي انتهجه وعناصر الفكر الذي تبناه ملكياً أم جمهورياً، زيدياً أم شافعياً، يسارياً أم يمينياً، شيخاً قبلياً أم عالماً إسلامياً، فليس لدى حملة مثل هكذا قلم ما يدفعهم إلى مواراة الحقيقة أو التغاضي عنها والانصراف إلى سواها أبداً، لأن القلم الذي ملكهم زمام قياده لم يكن امتلاكهم له صدفةً ولا ضربة حظ، وإنما نتيجة امتلاكهم أولاً المبادئ التي لا تختفي أو تظهر بناءً على التغيرات المناخية وتقلبات فصول السنة، بل هي حاضرةٌ ظاهرةٌ راسخةٌ باسقةٌ تراها عيون من حولهم وتفطن لها عقول من يتسنى لهم معرفتهم في كل وقت وحين مادام فيهم رمقٌ من حياة وما توفر لهم سبيل الوصول إلى الناس.
لقد مارست حكومات الوصاية وسلطات العمالة والتبعية على أيادٍ أمسكت بهذا القلم وقلوبٍ اتصل شريان دمها بمداده، كل وسائل الترغيب والترهيب، وما زادهم ذلك إلا استقامة على ما هم عليه من خط والتزاماً وثباتاً على ما هم عليه من نهج وإيماناً ويقيناً بانتصارهم على كل خفافيش الظلام وسدنة الباطل والجور وملبسي الرذيلة ثوب الفضيلة ظلماً وعتواً، وما إن تجلى بدر المسيرة القرآنية حتى نهضوا معه وبجانبه وتحت قيادته بعزم يسيرون صوب نقطة انتزاع فجر الحرية وخلق صبح الوعد بالتمكين الشارق بشمس البشارة الطالعة في آفاق الثورة المستمرة الذي تتجدد حيويتها بتجدد التضحيات ويستمر تحركها باستمرارية العطاء مالاً ودماً، لكنهم قد لا يحظون بالشهرة، لأنهم لا يجيدون التطبيل، ويجانبون المداهنة، ولأنهم على قطيعة تامة مع النفعية، ولأنهم يمارسون الكتابة كرسالة وإبداع لا كوظيفة لأجل الحصول على الإعاشة، كما أن رجال مثل هكذا قلم يرون أن إخفاء حقيقة أي ثورة أو قيادة أو تنظيم أو شخصية فكرية أدبية إخفاءً جزئي أو كلياً يخلق جيلاً مشوهاً مصاباً بعاهات هي أشد ضرراً على الحاضر والمستقبل مما نتج عن القنابل الذرية التي ضربت بها اليابان في الحرب العالمية الثانية، لهذا كله سيظلون مجهولين ومغيبين عن الساحة.

أترك تعليقاً

التعليقات