في رحاب الرحمن.. النفحة السابعة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أدري أنك عزيزي القارئ تتساءل: لم لا أختصر عليك المسافة، وأقول ما ينبغي قوله في الختام أولاً؟
أو تقول لنفسك: أي قراءة هذه أيها الكاتب الجاهل بكيفيات القراءة والعرض للكتب والدراسات، تلك التي لاتزال غارقة في التمهيد، ولم تتجاوزه، على الرغم من أنها حتى اليوم قد بلغت سبع حلقات؟! فما شأنك أنت بإقحام نفسك كاتب هذه المساحة بما لست أهلاً له؟!
ولكن حِلمك عليَّ؛ فإنا أمام دراسة تبحث مفردة هي اسم من أسماء الله، وتسعى لبيان معناها الحقيقي، وهدفها إعادة الاعتبار لهذا الاسم، الذي هو مفتاح المعرفة لطبيعة الصراع الجاري منذ الأزل بين الرحمن وجنده، والشيطان وجنده. وبالتالي فالقضية ليست قضية مفردة ومعناها فحسب، بل هي قضية توحيد وعقيدة ومعرفة، قضية لسان وكتاب، قضية تاريخ وفكر، قضية وجود ومصير، حق وباطل... ولو فعلتُ ما يفعله جمهور الكتاب والمثقفين عادة مع تناولهم للأبحاث والدراسات بالعرض والتحليل، لأفسدتُ من حيث أردتُ أن أصلح، ولقتلتُ هذه الدراسة؛ كونها كلاً مترابطاً لا يجوز تجاوز أيٍّ من جزئياتها، ولا يتحقق لك الاقتناع بالثمرة إلا بالتعرف على البذرة التي جاءت منها، والأرضية التي زُرعت فيها، وعوامل النمو ومصادرها، وذاك ما يدعونا للبقاء مع التمهيد، وهذه الحلقة هي آخر خطوة في التهيئة الذهنية، والنقلة التي ستضع أقدامنا في أول الشوط، والمشعل الذي استعنا به لبلوغ فواتح الفجر، وانبلاج الصبح.

سيبويه مجدداً؟
نعم، ومَن لها سواك، يا رب النحاة، ومعبود الفقهاء والمفسرين؟! فأنت حلال العقد، ومزيل الشبهات، لولاك ما عرف المفسرون آيات ربهم، فأنت وحدك مَن بفضله عُرفت الآيات القرآنية، ألم تكن الآية (109) من "سورة الأنعام" غير واضحة الدلالة حتى جئتَ وأوضحتَ وبيّنتَ؟! وهي: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم، لئن جاءتهم آية ليؤمننَّ بها، قل إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون". فمَن سواك قال للمفسرين بأن لفظة "أنها" في الآية بمعنى "لعلها"؟! وذاك ما نقلته عن أستاذك، وبذلك استقام المعنى!
ألا سحقاً لتخريجاتك والمؤمنين بها! فكأنكم تقولون: إنكم وحدكم من يعي مراد الخالق، ويفك طلسم كلامه والذكر الذي يسره لعباده؟! إن وجود مفردة "لا" في الآية جعلكم تستبعدون "أن" وتضعون "لعل" بديلة لها، فقط لإرضاء غروركم، وإصراركم على جعل القياس حاكماً حتى على اللغة، هكذا فعل بكم وجود "لا" في الآية، فذهبتم إلى إنزالها منزلة الآية الثالثة من "سورة عبس".
ليتكم امتلكتم شيئاً من الذوبان في الله، لكي تهتدوا لمعناه الحقيقي، فالله يخاطب المصدقين بقسم الكافرين بالله وآياته، بأنهم سيؤمنون شرط مجيء آية جديدة، والله سبحانه يعلم مكرهم، وهو مَن يكشف دواخلهم، فهم ليسوا على استعداد للإيمان، ولن يؤمنوا حتى وإن جاءتهم آية، وتظاهروا أمامكم بالإيمان كاذبين، نتيجة إلحاحكم عليهم؛ فما الذي سيشعركم بأنهم لا يمكن لهم أن يؤمنوا، وإنما هو النفاق؟!
لقد أصبح القرآن كله عزيزي القارئ مباحاً للمفسرين واللغويين، فكم كلمات استبدلوا معناها بمعاني كلمات أخرى، وكم محقوا من سياقات، ودمروا من معانٍ، وأفرغوا من مسائل من محتواها، بالحذف والتقدير، والتمحل والاختلاق! وكم زادوا وأنقصوا! فلا تكاد تجد معنى إلا وقد طالته يد الفساد.
وإذا كان الله قد حفظ اللفظ القرآني من التحريف، فقد اشتغل قسيسو وأحبار وبلاعمة الإسلام على تحريف المعنى، فعملوا عمل علماء بني إسرائيل قبلهم، ولكن مع بقاء الأصل.
تخيل أن لسيبويه الحق بأن يقترح على الله، ويُعلّمه كيف يخاطب عباده؟!
فيقول: لا يجوز اعتبار "ويلٌ للمطففين" دعاء، لأن ذلك قبيح؟!
فماذا بعد؟! هل لاتزال على عماك، في استبعاد معنى كلمة "الرحمن" من قبل هؤلاء؟!
إذن فغداً سيحكم بيننا وبينهم الرحمن، وستعقد أول جلسة بحضور القرآن.

أترك تعليقاً

التعليقات