مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كان للنكف القبلي الذي أقامته مضر، وقبيلة بني سعد بن بكر، وذلك على إثر محاولة اغتيال النبي (ص) الفاشلة، التي حدثت له في بادية بني سعد؛ تداعياته الكبرى، والتي من أبرزها توجه الملك أبرهة بحملة عسكرية لتأديب المتورطين بهذه العملية الإجرامية.
وهو احتمال يضعه نشوان دماج، في دراسته القيمة التي لانزال في رحابها، وهي (الرحمن اللّغز الأكبر)، إذ ما الداعي لإنفاذ هذه الحملة من قبل أبرهة التي توجه بها إلى بادية نجد وعلى مشارف الحجاز، إذا لم تكن لتأديبه قبائل عامر (بن صعصعة) بجيش من بني سعد (ساعدة) ومراد حسب ما ورد في نقش مريغان، بالإضافة إلى وجود شواهد تاريخية ترجح أنها لم تكن إلا بذلك الخصوص.
لأن هذا التشويه الذي لحق بأبرهة من قبل الكنيسة البولسية والمذهب المنوفيزي ببني أميته وسريانييه لن يكون له من مبرر إلا لكون أبرهة حامى عن النبي ودافع عنه، بل وسيعترف النبي صلى الله عليه وآله لأحد أحفاد أبرهة يوما ما بذلك الجميل حين يقبل عليه فيقوم ويفرش له رداءه.
أما ما لا بد من ترسيخه في الذهنية، وسبق التأكيد عليه مراراً، هو: أن هناك أكثر من ثلاثة عقود أخفتها الرواية الإخبارية من حياة النبي، فأخرت مولده وغطت ما قبلها بحادثة الفيل التي ألصقوها بأبرهة، ثم بموته ثم بتولي ابنيه ثم بنهوض سيف الزيف إلى فارس فبقائه هناك سنوات يستجدي في بلاط كسرى، فعودته بخريجي السجون أولئك ليحرروا بلاده من الأحباش فتوليه الحكم لأقل من سنة، ثم إذا به يُقتل على يد الأحباش الذين جعل منهم حرسًا شخصيا له، هنا يكون قد حال الحول عليه فيلقى حتفه قبل أن يعلم من عبدالمطلب ما أخبار حفيده وهل عثر عليه اليهود الذين حذره منهم أم لا.
وليس هذا فحسب، بل لقد أخروا مولد النبي (ص) عن موعده لما يقرب من ثلاثين إلى أربعين سنة. لكن عند فحص الروايات وتمحيصها سينكشف كل هذا الزيف، لاسيما إذا عرفنا أن دحر الأحباش من اليمن كان على يد الملك الحميري أبرهة وأن مجيء تلك الوفود لتهنئته كان في العام 547، وأن النبي يكون قد ولد في تلك الأثناء بسابق عام أو عامين فستكون حملة أبرهة إلى بادية نجد والحجاز وتأديب تلك القبائل في العام 552، والتي يريد الحمقى أن يلووا عنق النقش بأنها حملة الفيل، يكون عمر النبي في حدود خمسة أعوام.
أما ما يزيد المرء يقيناً بحصول التحريف لحياة النبي وتاريخه، ويعزز لديه الدافع في السعي لإعادة الاعتبار لتاريخ الرسول والرسالة، ويدفعه للتسليم بكل ما توصلنا إليه بهذا الخصوص، هو: الخبر الذي وجدناه في تاريخ ميخائيل الكبير، الخبر الذي يبدو أن الرقابة السريانية سهت عنه، وإلا لما بقي على حاله في ذلك الموضع، يقول الخبر:
إنه في عام 604 بدأ أمر محمد يقوى ويشتد في أرجاء الجزيرة، مطالباً كلاً من الفرس والروم بالخروج عن كامل الأراضي العربية التي تحتلانها، وهنا يمكننا الوصول إلى ما هو أعظم، فقط ما علينا فعله هو: ربط ذلك الخبر، بما سمي صلح الحديبية في السنة الخامسة من الهجرة، والذي هو عام الفتح، لكن أي فتح؟ 
إنه ليس فتح مكة كما أرادوا أن يوهمونا، وإنما فتح كامل لجزيرة العرب.

أترك تعليقاً

التعليقات