مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
تفقد الأمة، أيُ أمةٍ قداستها، وممكنات بقائها قويةً عزيزةً آمنةً مستقرةً، عندما تستهين بحقوق ضعفائها، وتستكين لظلم أقويائها، وتعديهم على الحياة والإنسان بمختلف الطرق والأساليب، فلا تملك إزاء ذلك كله إلا القيام ببعض الإجرائات البسيطة، التي تغلب على منفذيها سمة التردد والخجل والضعف في كل ما يوكل إليهم القيام به.
وإن الأحرى بمَن يتخذ من الإمام علي بن أبي طالبٍ عليه السلام، إماماً وحجةً وقدوةً في الفكر والسلوك والتوجه العملي سياسةً وحكماً أن: ينطلق من حيث انطلق الإمام، الذي كان عليه السلام لا يكتفي بتوجيه ولاته إلى السماع للناس، والعمل على رفع مظالمهم، وتخصيص جزء من أوقاتهم للجلوس إليهم، بعيداً عن أي مظهرٍ من مظاهر القوة والجاه والسلطة، فلا شيء سوى التواضع لله في ذلك المجلس، كل هذا لكي يتسنى لصاحب الحق أن يقف مطالباً بحقه، أو المظلوم وهو يكشف عن مظلمته بثقةٍ واطمئنان، فلا يصاب بالخوف أو الانبهار لما يراه بادياً على شخص ذلك المسؤول، الأمر الذي قد يجعله عاجزاً عن المطالبة بما هو له، وإنما يبادر بالكلام بكل طلاقة لسان، أياً كان موقعه في المجتمع، ومهما كان مستوى فقره وفاقته وضعفه وقلة حيلته، وهوانه على الناس، لأن القيمة هنا للإنسان كإنسان، بعيداً عن أي شيء آخر، ولأن القضية قضية دين ورسالة، لا مجال فيهما للعبث والتفريط، أو التساهل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله كما يقول الإمام علي، في أكثر من موضع: لن تُقدس أمةٌ لا يؤخذ فيها للضعيف حقه من القوي غير متتعتع. بل كان عليه السلام إلى جانب ذلك يتصدى لهذا الأمر بنفسه، فقد مر به ذات يوم فقيرٌ قد انحنى ظهره، ورق عظمه، وكف بصره، والإمام جالسٌ مع أصحابه، فبادرهم بالقول: ما هذا؟ فقالوا: فقير نصراني يسأل، فقال: استعملتموه حتى كبر سنه، وعجز فتركتموه، أنفقوا عليه من بيت المال.
ولم يقف الأمر بربيب الرسالة ومعمارها الأوحد عند هذا الحد، فلا يعالج إلا ما يلقاه من القضايا والإشكالات مصادفةً بل كان بيته ومجلسه مفتوحاً لكل مَن لديه حاجة، أو يطالب بحق، أو يشكو من ظلم، فهذه سودة الهمدانية وقد دخلت على معاوية تشكو إليه ما فعله بسر بن أرطأة ببلادها وقومها، ولما استغرب عليها الطاغية جرأتها تلك، على اقتحام مقر الدولة، والوقوف بوجهه بكل قوة وصلابة، كشفت له سر قوتها، التي ما كانت لتكون كما هي الآن لولا استنادها إلى مدرسة علي بن أبي طالب، الذي حرص على تربية كل الذين يقعون تحت ولايته على هذا الأساس، فلا يخشون في الحق لومة لائم، فتقول: أتيته يوماً بشأن رجلٍ ولاه صدقاتنا، وقد كان بيننا وبينه ما بين الغث والسمين، وكان قائماً للصلاة، فلما انفتل عنها التفت إلي قائلاً بكل تعطف ورفق: ألك حاجة؟ فلما أخبرته خبر الرجل بكى، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: «اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم عبادك، ولا بترك حقك»، ثم أخرج من جيبه جريدةً وكتب فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، قد جاءتكم بينةٌ من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، إن كنتم مؤمنين، أما بعد فإذا وصلك كتابي هذا فأمسك ما في يديك، حتى يأتيك مَن يقبضه منك، والسلام». فهل بمقدوركم متابعة طريق الأعلام، وترك مغالطة الناس عن طريق الإعلام؟

أترك تعليقاً

التعليقات