التنوع عامل قوة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عقولٌ متصحرة مقفرةٌ، ونفوسٌ مريضةٌ مسكونةٌ بالحقد والاستعلاء والأنانية، تتحرك اليوم من هنا وهناك بعدة أساليب وطرق ووسائل مختلفة ومتنوعة، لا هم لها سوى العمل على تسقيط الآخرين وتحطيم معنوياتهم. فتشوا في شبكات التواصل الاجتماعي وستجدون العجب العجاب في ذلك، فهناك مثلاً مَن يصدر حكماً على فلان من الناس بالعمالة والارتزاق بذريعة أنه صلى غير مسربل يديه، وكأن الإسلام الصحيح والأصيل متوقفٌ على الشكليات كالضم والسربلة وغيرها!
فليت مثل هذه العقول وهذه النفوس تدرك أن الدين ليس ضماً ولا سربلة، وإنما هو الوعي والالتزام والرحمة والصدق والإخلاص والتواضع والبر والإحسان والعدل والجهاد والقيام بكل ما فرضه الله وحبب إليه على كل المستويات وفي مختلف المجالات. لكن هؤلاء ضحايا الجهل والتبعية العمياء التي لم تستطع أن تعمل شيئاً للإسلام أو لنفسها على مدى قرون من الزمن، لأنها توجهت للمذهب أو للطائفة بالعبودية بدلاً من التوجه لله سبحانه وتعالى، فسقطت وتلاشت.
وإلى جانب من يتخذون المذهبية إطاراً لتسقيط الآخرين، هناك من يتحركون تحت إطار وحدة الكلمة وتوحيد الصف فيعملون نفس ما يعمله المسكونون بالمذهبية، إن لم يكن عملهم أشد ضرراً ممن سبقهم، باعتبار أن تحركهم مقتصر أصلاً على الجبهة الموحدة فكرياً وثقافياً، لكنهم يعانون من قصور معرفي كبير أوصلهم في نهاية المطاف إلى عدم القدرة على التفريق بين التنوع والاختلاف، الأمر الذي جعلهم يصنفون تنوع الطرح والأسلوب في العمل والحركة من موجبات الفرقة والتنازع والاختلاف، وهكذا دواليك.
ليت هؤلاء نظروا فقط إلى الطبيعة نظرة تأمل؛ لأدركوا أن تنوع الزهور وتعدد ألوانها وأشكالها وروائحها لا يؤدي إلى فساد في الكون واختلاف في الطبيعة. وهكذا ندرك أن المطلوب هو الوعي بالهدف الكبير والتحرك في ما يصب في الوصول إليه. من هنا يصبح كل هذا التنوع والتعدد في الخبرات والقدرات والقابليات والإمكانات عامل قوة لا عامل ضعف عند من يفهم ويسير على ضوء ثقافة القرآن الكريم.
وعليه، فلنفكر في صنع القوة التي يقتضي صنعها تضافر كل الجهود والاستفادة من كل القدرات وتوظيف جميع الطاقات التي تختلف من شخص لآخر، لكن اختلافها لا يمنع من تسخيرها في سبيل الله، الذي لا يقبل النمطية والتزام اللون الواحد الذي هو في الأصل يوحي بالموت والفناء.

أترك تعليقاً

التعليقات