الحرب الأكثر دماراً
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كانت الحرب بمفهومها العسكري التقليدي إحدى أهم الوسائل المتاحة لفض الصراعات القائمة وفرض الإرادات، حتى وقت قريب تدخلت فيه بعض المتغيرات التي أثرت على اتجاهات السياسة في الاعتماد المطلق على الحرب المباشرة، أو الصدام المسلح كعامل فاعل لتأمين غاياتها، ومن بين تلك المتغيرات:
1. ظهور الأسلحة المتطورة لدى العديد من الدول أدخل العالم حقبة الاستراتيجيات الشاملة بشكل أصبحت فيه احتمالات الحرب التقليدية كوسيلة من وسائل إدارة الصراع قليلة الاحتمال إلا في حدود ضيقة، لأن الاستخدام العام لتلك الأسلحة لا يسمح بخروج منتصرين في حرب سيحل الدمار بجميع أطرافها.
2. على الرغم من مقدرة الجيوش الحديثة وضخامة الأسلحة التي بحوزتها وقدرتها على التحشد والإسناد الإداري فإنها أصبحت شبه عاجزة لوحدها عن تحقيق الحسم العسكري بشكله الاعتيادي رغـم تفوقها على خصم أصبح ونتيجة للتطور يتمتع بفرص جيدة للمناورة وإمكانات عالية في استجلاب الدعم والإسناد وحرية معقولة لتأمين الاتصال بمستويات زادت من فرص مقاومته.
3. التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الاتصال ونقل المعلومات جعل عالم اليوم صغيرا للحد الذي يستطيع فيه المرء أن يرى أحداثاً تقع في مختلف أنحائه لحظة وقوعها وهو جالس في بيته مما جعل هذه الوسائل ذات تأثير كبير على تشكيل الآراء والتوجهات والقناعات يمكن استثماره وبأقل ما يمكن من الخسائر.
إن المعطيات أعلاه أثرت على رؤية القوى المتنفذة في العالم (أمريكا والغرب على وجه الخصوص)، ودفعتها إلى التفكير بوسائل جديدة قادرة على إحداث فعل التأثير على تشكيل الآراء والقناعات المناسبة، وتكوين الاستجابات المطلوبة، تتوافق في واقع الحال ومساعيها الحثيثة لتسيير واستغلال الشعوب الأخرى بطرق مقبولة لا تثير احتمالات المقاومة كما يحدث عادة في التعامل مع الأساليب القديمة المتمثلة بالحرب التقليدية، وبكلفة أقل بالمقارنة مع الكلف الباهظة للحروب التقليدية، وسعة تدمير أقل بالمقارنة مع تلك الحروب.
ولذا فقد بات التعامل على المستوى النفسي يحتل الحيز الأكبر بين الأسلحة المستخدمة في النظام الدولي الجديد للتأثير على وعي المستهدفين، أخذت فيه الحرب النفسية إطارا أكثر شمولية وأصبح فيه الإعلام إحدى أدواتها المعروفة، وبات مفهومها الدقيق: استخدام المعطيات النفسية السرية والعلنية لإيجاد القناعات والآراء والاتجاهات التي تسهل تأمين المصالح وتعين على إدارة وتحليل الصراع.

أترك تعليقاً

التعليقات