تأطير المعروف وتسطيح المنكر
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أكثر شيءٍ نخشاه اليوم وغداً هو قصر الفهم، الذي يحيط النظرة بالضبابية، ويحد الفكرة بالحدود الجزئية لأي قضية من القضايا ولا يسمح لها أن تقترب من التفاصيل في أي مجال من المجالات، فنحن لانزال نرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بُعدين لإصدار أحكامنا حول ما يقوم به المجتمع من تصرفات وممارسات تتعلق بطريقة الملبس والمأكل والمشرب، إلى جانب التناول الباهت تحت هذين البُعدين لشيءٍ مما يندرج في سياق العلاقات المجتمعية والتعاملات البينية المختلفة، دون أن يؤدي ذلك إلى طرق أي مجال من مجالات المنكر التي تندرج ضمن النشاطات السياسية والتشريعية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسؤوليات الحكم والحاكمين.
إن المنهاج الذي تقوم عليه حركتنا الثورية التغييرية والإصلاحية هو منهاجٌ كلي النظرة، بحيث يجعلنا نتحرك سواءً بسواءٍ في مختلف القضايا الكبيرة والصغيرة، العامة والخاصة، سواء ما كان متعلقاً بالأخلاق والقيم والعادات والسلوكيات الفردية والجماعية، أم ما كان متعلقاً بإدارة شؤون الناس ومتصلاً بحقهم في العدل والحرية والعيش الكريم، فمثلما نجد في أنفسنا الدافع والحمية لمحاربة التفسخ والانحلال الأخلاقي والقيمي، يجب أن يكون لدينا في الوقت ذاته الدافع للتحرك في محاربة الظلم والفساد المالي والإداري، ومحاربة الرشوة والوصولية والانتهازية، ومحاربة العجز والفشل اللذين يحاول أصحابهما دائماً التلطي خلف العناوين البراقة والشعارات التي تثير العاطفة الدينية لدى المجتمع، كل ذلك بهدف التغطية على عجزهم اللامحدود وفشلهم الذريع في المهام والمسؤوليات الموكلة إليهم، وإشغال الشارع بقضايا هامشية لا قيمة لها، كي يتفرغوا أكثر في إشباع مطامعهم الأنانية والشيطانية.
وهناك قصة حدثت بالفعل في إحدى المحافظات «الحرة» قبل شهرين ونصف تقريباً، حملت في طياتها الكثير من الدروس والعبر التي نحتاجها اليوم في ميادين العمل والمسؤولية، إذ أقدم أحد المحكومين بقصر النظرة والمعانين من ضيق الأفق بتصرفٍ مشين، وذلك عندما تهجم على أحد المحال التجارية الخاصة ببيع الملابس النسائية، وقام بتقطيع كل ما استطاع تقطيعه بجنبيته بحجة المحاربة للحرب الناعمة، وقد خلف عمله هذا رعباً وخوفاً في نفوس المتسوقين والعاملين في ذلك المحل التجاري، فما كان أحوج هذا الشخص لتلك الطاقة في إنجاز الأعمال الموكلة إليه، وليتنا نستوعب ماذا يعني أننا أصبحنا دولة، وكيف يجب أن نتصرف وفق هذا المعنى، فثمة قضايا كانت محل إدانة واستنكار بالنسبة لنا عندما كنا بعيداً عن موقع السلطة وعندما كانت تصدر من غيرنا، ولكن ما إن وصلنا إلى مقامهم حتى بتنا نستسيغ كل ممارساتهم ونتخلق بأخلاقهم بقصد وبدون قصد.

أترك تعليقاً

التعليقات