عللنا شبه المزمنة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمير / لا ميديا -
لعل أمل الأعداء في تحقيق شيء مما يسعون لتحقيقه اليوم على أرض الواقع مبنيٌ على تراجع الخطاب التعبوي، ووجود خلل وضعف وثغرات في المنظومة الإعلامية، والجبهة الثقافية، الأمر الذي جعلهم يسارعون لاستغلال كل ذلك لصالحهم، عاملين على تقديم ثقافة بديلة عن ثقافة الصمود والمواجهة، ليقينهم أن بداية الطريق لفرض واقع جديد، وتغيير معادلةٍ ما هو إلا الجانب الفكري والثقافي، والذي لم يكونوا يخشون شيئاً كما كانوا ولايزالون يخشونه، ولاسيما إذا ما قُدم للناس بمفهومه الصحيح، ودلالاته الإيمانية النابعة من صميم رسالة إلهية، والمؤكدة بانطلاقة ثورية ضميرها القرآن، وروحها وقلبها ودمها علويٌ حسيني.
نعم ليس هناك من خدمة يحصل عليها العدو أعظم من تلك التي يقدمها له أولئك الذين يقومون بإسقاط المعاني الكبيرة لتوجهنا على سفاسف الأمور، ويسندون إلى ناقصي الوعي، وعديمي المعرفة بالنهج والواقع مهمة إيصالها إلى الناس، والعمل على فرضها عليهم، وإلزامهم بها، وبالذات في هذه المرحلة، وقد شاهدت وعايشت وسمعت ولمست أكثر من شاهد ومثال على ذلك، أجد نفسي خجولةً من ذكرها هنا، والتي تأتي مسألة التعرض للنساء في الشوارع، والطرقات، والأماكن العامة بالسب والشتم والتحقير والإهانة في مقدمتها، لا لشيء إلا لكون لون العباءة أو الطرحة التي ترتديها تلك النسوة لم تكن تحمل اللون الأسود! فهل هذا من الدين والخلق؟ وهل هؤلاء يمثلون المسيرة والثورة؟ وهل مثل هكذا أسلوب سيكسب الناس إلى صفنا، ويقنعهم بتوجهنا، أم سينفرهم منا، ويدفعهم لكراهيتنا، والوقوف ضدنا؟
إننا فعلاً نعاني من علل وأدواء كثيرة، أبرزها:
* عدم قدرة الخطاب الإعلامي والثقافي على مواكبة القيادة الثورية في خطابها النابع من فهم دقيق للواقع، ووعي عميق بحركة الأحداث، ونفاذ بصيرة في إيجاد المعالجات واقتراح الحلول لمختلف المشاكل والأزمات التي يعيشها الجميع، سواءً تلك المتعلقة بشؤون الحياة وظروف المعيشة، أم تلك المختصة بالجانب الفكري والثقافي، وذلك عائدٌ إلى حالة الجمود التي يعيشها الجانب الثقافي، والناتجة عن انصرافه إلى العمل لصالح الحكومة، وإفناء جل وقته بتبرير سلبياتها، وتخريج وفلسفة قصورها وسقطاتها، لتصبح مقبولةً لدى الشارع كما هي، الأمر الذي حرمه الارتقاء إلى مستوى ما تطرحه القيادة الثورية، وحجب عنه الكثير من الآفاق والمجالات التي هي في صميم عمله، ومن سنخ مهامه ومسؤولياته، وأبعده عن روح النهج ورحابته وسعته وشموليته، ليبقى حيث هو دون أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، هذا إذا لم يتقهقر إلى الخلف.
* التركيز على المفاهيم المتعلقة بالحق من زاوية التعريف بها كأفكار ومعلومات مجردة يجب الأخذ بها، مع إغفال جانب العمل على تجسيدها واقعاً، وبكلمةٍ أدق: يجهد المثقفون والتوعويون في التخطيط المفاهيمي للحق، متجاوزين بالكلية التخطيط له في بعده العملي، باستثناء التحريك لبعض إيحاءاته في القضايا الصغيرة، والهامشية، والتي في أغلب الأحيان يكون لها مردود عكسي على وعي المجتمع، وآثار سلبية على ذهنية القاعدة الشعبية لتوجهنا الجهادي الثوري، الذي تأمل فيه خلاصها، وتعول عليه في بناء حاضرها ومستقبلها.
* التعامل مع كل كلمات وخطابات سيد الثورة من باب إسقاط واجب فقط لا غير، وبالتالي تبقى الحالة الثقافية في كل عام، ومع كل مناسبة على حالها، دون حصول أي تجدد على مستوى الوعي أو الأساليب أو الممارسة، فلتأت جمعة رجب، ولتأتِ عاشوراء، أو ذكرى الصرخة، وأي محطة أخرى، فلن يكون لها أثر إلا إذا استوعب الجميع: أنها محطات لتزويدنا بما نحتاجه لبناء أنفسنا، وتقويم وإصلاح حياتنا وواقعنا، واكتشاف جوانب الخلل، ومجالات القصور والضعف في أعمالنا، لا وسيلة للهروب من مشاكلنا وعجزنا وفشلنا، كما تفهمها حكومتنا الجديدة.

أترك تعليقاً

التعليقات