خوف مشروع
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لايزال المسلم التواق لحاكمية الإسلام، المستوعب لأسس الإسلام الأصيل، يلمس أثر حركة طالبان على معظم الحركات العربية الإسلامية، التي تجمعها بطالبان معالم شكلت بنيتها النفسية، نتيجة تأثير الإخوان على الواقع الحركي كله.
طالبان، التي شكَّلت نشازاً أكثر غرابة مما قد تثيره جماعة وحشية معزولة في الأدغال. ولبشاعة النموذج الذي قدمته للعالم الذي لم تُعره أي اهتمام وهي تراكم الإهانة والحرج للنموذج الإسلامي. حيث حصرت اهتمام الحاكمية الإسلامية في تصفية الحساب مع تعليم المرأة وفرض مقاييس اللحى، ولما خلصت من ملحمة الصفع والركل للمواطنين، توجهت بالتدمير للتماثيل والحجر؛ هي النموذج الذي بات يتكرر في نزوع حركات كانت ذات نزعة تحررية، ورؤية فكرية تستند إلى مصادر سليمة وقيم عليا.
كانت طالبان ولاتزال مثالاً لدولة دونكيشوتية بائسة، أقفرت قفراً وأفقرت فقراً، إنها لعنة هذا المجتمع الذي دفع الثمن غالياً.
ومع أن حليفها الأول الخونج دوما يسندها بالإعلام، ويواري سوءاتها، ويقول عن منتسبيها: مجاهدون يقاتلون ببسالة أصحاب بدر، وجيل قرآني فريد لا يدري أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، وأمة تقاتل لكي يحكم شرع الله في الأرض وتتحقق حاكميته. جماعة تحققت عندها قيمة العزلة الشعورية عن الجاهلية ومجتمعات الشرك.
فهل هذا هو المطلوب من الدين والتدين، مجرد حجاب، وجلباب، وعف اللحية؟! لكن ذلك كله نتيجة غياب شروط حقيقية، جعلت مفهوم الحاكمية بلا فقه ولا شرط، فالحكم ليس من وظيفة الفرد.
إن الحديث عن البديل، هو جوهر إشكالية خطاب الأسلمة. وكثيرة هي الحركات الإسلامية التي لا تملك جواباً حقيقيًّا أمام تحدي الوقائع والنوازل والموضوعات المتجددة.
يضرب أحد الباحثين بهذا الخصوص مثالاً موجعاً يحكي عن أن مسألة البديل لا تمثل قضية جوهرية لدى معظم الحركات، فبينما كان أحد القيادات الإسلامية يحرِّض الشباب على الانقلاب على النظم السياسية في بلدانهم، وذلك باسم البديل الإسلامي الذي هو -ومن دون أن يقدم ما به يتميز هذا البديل- متقدم على جميع الخيارات، قائلا: إن البديل إذا لم يكن متجاوزاً لكل البدائل المطروحة، لن يكون حضاريًّا. لكن بعد أكثر من عقد من الزمان، يجيب السائل الذي تحدث له عن وجود بديل قادر على بناء مجتمع متقدم: نحن لسنا مكلفين ببناء حضارة، نحن مكلفين بأن نؤمن بالله ونرجو الآخرة.
ليس ما تحدث عنه هذا القيادي المميز بخطاباته التعبوية الثوروية لا يعدم مصداقية لو أنه صدر عن متولٍّ لوقف أو إمام راتب في مسجد جامع، بل الصدمة الكبرى، أنه صدر ممن حرَّض جيلاً كاملاً من الشباب على الانقلاب على النظم المتخلفة طلباً لدولة إسلامية حضارية يملك بديلها. والحق، أن الأسلمة بعد ذلك لم تكن واضحة كما يجب عند هؤلاء. فأن يكون المسلم مكلفاً بما يرجو به المنفعة الأخروية هذا أمر يشكل الحد الأدنى الذي لا يحتاج إلى إصلاح ديني، لأنه موجود ولا وجود لمشكلة. وهذا غير ما يتعلق بالتكليف الجماعي للمسلمين بأن يحققوا نهضتهم ويحتلوا مكاناً متقدماً في المشهد العالمي.
ولا شك أن التبني الحضاري للإسلام له شروط ليس بالضرورة مستوعبة في شروط تحقق الإسلام الفردي. فبين النفع الدنيوي والأخروي جدل معقد في الخطاب التربوي الإسلامي. والمسلم يجد نفسه ممزقاً بين باعثين، أحدهما يبعث على عمارة الأرض والآخر يبعث على الزهد في الحياة والانزواء. ويظل السؤال الكبير: هل بمقدور المسلمين أن يبنوا حضارة ويحققوا عمراناً متقدماً مع وفائهم لقيم الزهد والعزوف عن الدنيا؟
التعاليم تتحدث عن أن العمل عبادة، وتقدم أمثلة لا تحصى على أن لا تناقض بين مقدمات المنفعة الدنيوية والمنفعة الأخروية؛ بل إنها ترقى إلى حد إعلان التوافق التام بين العملين، حيث كل عمل دنيوي مقرون بنية القربة ورجاء المطلوبية هو بقدر ما يثمره في الدنيا من منافع، يثمر في الآخرة حسنات.
ولا وجود لمسلم يجهل نظريًّا هذه القيمة التي تُميِّز ديننا من أكثر الأديان التي لم تستطع ردم هذه الهوة الفاصلة بين الدنيوي والأخروي، بين المادي المشهود والغيبي المكنون.

أترك تعليقاً

التعليقات