تلك طريق الأنبياء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لعينيكِ يا ثورة الحادي والعشرين من أيلول؛ نقف بوجه كل مَن أرادكِ مطيةً لبلوغ أحلامه المريضة، وأمانيه القاتلة، ومطامحه الهدامة المدمرة لكل شيء.
لعينيك سنظل نقول: لا للفساد، والظلم، لا للشللية والمناطقية، لا للبقاء في خانة المراوحة في الماضي الذي كلما استبشرنا بزواله؛ عاد إلينا من جديد، وبصورة أكثر رعبا وبشاعة، وللأسف؛ نعمد لتسخير كل ما لدينا من وقت وجهد وإمكانات وأفكار لخدمته، في تعزيز وتوسيع دائرة حضوره، وتأبيد وجوده. لعينيكِ؛ سنتصدى لكل مَن رام جعلك علويةَ المظهرِ، عباسيةَ الجوهرِ، أمويةَ الهوى، إخونجيةَ الهوية.
لعينيكِ سنعري كل تلك النفسيات الخؤونة، المعجونة بطينة الكبر والغطرسة والطغيان، المشوبة بكل مقومات النقص، وموجبات الفشل، ولوازم الضلال والزيف والتحريف والانحراف، وسمات وخصائص الرياء والنفاق. إنها نفسياتٌ لها أشباه ونظائر على طول التاريخ، فلا يخدعنكِ تظاهرها في الشاشات والندوات والمناسبات الدينية والوطنية بالزهد والصلاح والعفة والرشاد والصدق والتواضع والبر والتقى والإحسان والسداد، فهي أشبه ما تكون بذلك الشخص الذي كان يتخير المواطن واللحظات التي تساعده على الظهور أمام الرسول صلوات الله عليه وآله، وأمام مجتمع الإسلام الأول بمظهر المسلم الغيور قوي الإيمان، شديد الحرص على التنكيل بأعداء الله ورسوله، لا تسمع منه إلا: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، يقف رافضاً لمسألة موت النبي، مدعياً أنه ذهب للقاء ربه كما فعل موسى أربعين ليلة، وسيعود، فقط لدغدغة العواطف، ولفت الأنظار إليه، بينما في المواقف العملية، كان فراراً شاكاً، معارضاً للحق، رافضاً للتوجيهات، حائلاً بين المؤمنين ورسول الله، مثيراً للشبهات التي تطعن في شخصية الرسول، وتنزع ثقة المسلمين به، وتتهمه بالهجر، والهذيان، نتيجة الوجع، لتقيم نفسها في نهاية المطاف مقام رسول الله، بل ترى لها موقعاً أعلى منه، وتجعل رأيها أقدس من تعاليمه، وأحق بالالتزام والاتباع من توجيهاته.
وهكذا يستمر التاريخ في الحركة التي تريك وحدة الخلق، وواحدية النفسيات، واتحاد السنن الحاكمة لحركة الوجود والكون، لتكتشفي يا عزيزتي من خلال ذلك كله أن هناك شخصياتٍ لا تعيش بذات واحدة وروح واحدة، وإنما هي إطار يستطيع أن يحتوي أكثر من صورة، لأكثر من شخص، بين لحظة ولحظة زمنية أو مكانية أخرى، فلا يغرنك قولهم: هذا من السابقين، وذاك من المضحين، وأولئك قدموا أموالاً وأرواحاً ودماء، ولا يمكن أن يغيروا ويبدلوا وينقلبوا على الأعقاب! فتلك مقولة المطبلين وذباب المزرين، الذين لا هم لهم سوى تلميع الأحذية وترميز الدمى والجهلة والصبيان والمراهقين في عالم السياسة والسلطة، بغيةَ الحصول على ما يُسد به رمق كلب ليس إلا.
إننا يا ثورة الشعب؛ سنبقى نسير كما علمتنا الثقافة القرآنية في مسارين لا يطغى أحدهما على الآخر هما:
- الكشف عن كل المظاهر السلبية والمفاسد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وبيان الانحرافات الفكرية والثقافية والدينية، من دون مواربة أو مهادنة أو مجاملة ومداهنة، فلا قدسية لنظام أو علم أو فقيه أو مذهب مادام يحتوي بين طياته معالم التراجع والخيبة والنكوص والفشل والضياع.
- التوجه لمحاربة العدو الخارجي والظلم الاستكباري الذي يتهدد الأمة ويمثل خطراً على هويتها ودينها ومقدساتها، وهذا ما يتحرك فيه كل حر وصادق وشريف أسلم وجهه لله، تحركاً كله اتزان تام، وثبات مطلق، ويقين راسخ، فلا يغفل عن تصحيح المسار في الداخل، لأنه يريد النهوض بشعبه وأمته، ولا يتجاهل أي مظهر للفساد والسلبية لأنه يريد البناء التام والقوي والقادر على البقاء والاستمرارية، كما لا يشغله كل ذلك عن العدو الساعي بكل ما لديه لاستهداف الهوية وضرب الانتماء.
وهكذا يجب أن نعطي هذين المسارين كما أعطاهما النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، الذي عندما خرج لمواجهة أعظم قوة في العالم في عهده؛ جعل الإمام علي عليه السلام والياً على المدينة، ونائباً له في تسيير وإدارة شؤون دولة الإسلام الفتية، وكأنه يود أن يقول لمَن يتولاه: لا يمكن أن تنتصر على أئمة الكفر بالخارج؛ إلا متى ما جعلت الحق والعدل والقرآن كله إماماً لمجتمعك، وحاكماً في دولتك.

أترك تعليقاً

التعليقات