الملأ خطرٌ باقٍ لا يزول
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
وراء تسافل المجتمعات البشرية أو علوها، حياتها أو موتها، تقدمها أو تراجعها، قوتها أو ضعفها، غناها وفقرها، نصرها وهزيمتها: مجموعةٌ قليلةٌ من بني جلدتها، وشركائها في الدم واللسان والمكان والتاريخ والفكر، هذه المجموعة الموسومة بالقلة خدمتها ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في الوصول إلى مقام الإمساك بكل مقاليد الحياة لتلك المجتمعات، لتُعرف في ما بعد باسم: النخبة.
وإذا ما أردنا الاعتماد على القرآن الكريم، في سبيل البحث عن هذه الفئة، التي يسميها علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة: النخبة، فإننا لم نجد هذا اللفظ كما هو، ولكننا سنجده بألفاظ أخرى، ورد ذكرها في القرآن، وهي وإن لم تتفق ولفظ النخبة حرفياً، فقد اتفقت وإياه في حمل الدلالات المشتركة ذاتها، التي تعبر عن المعنى الواحد، المراد فهمه ومعرفته، فإذا عرفنا أن النخبة هي: مجموعة من الناس تتميز بعدة ميزات، كالطبقة والمعرفة، والموقع، وغير ذلك مما يجعلها في مقام القائد للمجتمع، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً و... على ضوء ما لديها من عوامل القوة في مختلف المجالات فإننا واجدون في هذا النور كل ما يعيننا على معرفة هذه النوعية من الناس، ولم يكتف القرآن في سياق البيان لهذه المجموعة ببيان وظيفتها فحسب، بل نراه تعرض لبيان طبيعة الدوافع والأهداف لتلك المجموعة، لينتهي بك إلى الوقوف على نوعين من النخبة: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي. فلكلٍ صفاته وخصائصه ومميزاته التي تفصله عن الآخر، ولكي لا نطيل أكثر فسوف نبدأ بالنخبة ذات الاتجاه السلبي، وهي ما أطلق عليها القرآن لفظ: الملأ. وهم: الذين يجتمعون على رأي، فيملأون العيون رواءً ومنظراً، ويملأون النفوس مهابة وعظمة وجلالا، وهكذا قيل لكل أشراف المجتمعات: الملأ، لأن لهم من علو المقام، وارتفاع المنزلة ما يملأ عيون ونفوس من حولهم، وهكذا وردت هذه الكلمة في الاستعمال القرآني كعلامة على الجماعات الأنانية، النزاعة للاستبداد، البادية بمظهر أنيق، وروحية مريضة، ونوايا وأفكار ملوثة بكل مكونات القذارة، ومضامين الشر والفساد، وهم الذين يسعون لملء كل نواحي المجتمع بوجودهم وآثارهم.
إنهم مَن جعلوا مظهرهم الأنيق وسيلةً لاستقطاب البسطاء والسذج إلى صف باطلهم، وسخروا كل ما يملكونه من جاه وقدرة ونفوذ لتخويف الناس، وتدجينهم للطغاة، وتصدروا جبهة محاربة الرسل والرساليين عبر العصور، وتحلقوا حول الفراعنة، وشرعنوا كل ضلال، وبرروا كل انحراف، وهم كذلك: الخاضعون للمصلحة الشخصية، المحكومون بقوانين الهوى، المندفعون بدافع الطمع والأنانية في كل الأحوال، تزعجهم العدالة، ويسوؤهم العمل بالحق، ويخيفهم أي توجه يمكن له أن يوجد لدى الناس دافعا نحو العمل على تحقيق حرية، أو ارتقاء فكري، أو شعور بالأنفة، ونزوع نحو إيجاد معنا للوعي بالكرامة والعزة.

أترك تعليقاً

التعليقات