مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في العشرين من شهر جمادى الآخرة من كل عام، اعتاد الكثير من مسلمي العالم الاحتفاء بمولد سيدة نساء العالمين، بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله، وأم أبيها، فاطمة بنت سيد المرسلين، وزوج أمير المؤمنين وإمام المتقين، علي بن أبي طالب، وأم سيدي شباب أهل الجنة، عليهما السلام، الطاهرة الصديقة، والعالمة العابدة الزاهدة المجاهدة الثائرة، عليها من الله أزكى السلام، ولكن هذا الاحتفاء الذي يهدف في كثيرٍ من محتواه ومضامينه الإحيائية لمثل هكذا مناسبة عظيمة في ما تتركه من فوائد وآثار، لايزال مقتصراً على الفضائل والسمات التي حوتها شخصية الزهراء البتول، إلى جانب الحديث عن دورها في نصرة رسول الله صلوات الله عليه وآله، ودورها في حركة الرسالة قبل وبعد الهجرة المباركة، مع ذكر شيء يسير من حياتها في بيت الزوجية، على ألا يتم تناول أي دور لفاطمة الزهراء (عليها السلام)، بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن في تلك الحقبة الزمنية القصيرة جداً، الكثير من المهام والأدوار الرسالية التي قامت بها الزهراء، فيها من الدروس والعبر من خلال ما اشتملت عليه من حقائق ما يوحي بانحراف عن الجادة، وكثرة المخالفة لكتاب الله، والعمل بخلاف ما بينه ودعا إليه وحث على التزامه رسولنا الكريم صلوات الله عليه وآله، من قبل المنظومة التي نصبت نفسها للحكم، وجعلت من خلافة النبي حقاً لها دون سواها من المسلمين، حتى وإن تعارض ذلك مع ما نصت عليه بلاغات وبيانات رسول الله صلى الله عليه وآله، سواءً ما كان منها في حجة الوداع أم في غدير خم، أم أثناء مرضه الأخير قبيل التحاقه بالرفيق الأعلى، لما في ذلك من إحراج لمجموعة لا بأس بها من المسلمين لاتزال ترى في الكثير من تلك الشخصيات مثلها الأعلى حتى وإن صدر منها ما يوحي بمخالفة رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله، أو يوضح مدى ما لقيته ابنته الزهراء من ظلم وجور على أيديهم، وهي مَن هي في عظيم المنزلة ودرجة القرب من الله ورسوله، ومع ذلك يقف المحتفون بالزهراء والجاهلون لقيمتها والمنكرون لدورها وعظمتها على منزلةٍ سواء، من الجهل والتجني على الحقيقة، وإن تعددت اتجاهات وطرق كلا الفريقين.

فالذين يحتفون بمولد الزهراء لا يحبذون الحديث عن ظلاماتها على رغم كثرتها، وتواتر رواياتها عند محدثي ومؤرخي كلا المدرستين (سنة وشيعة)، لأن ذلك من وجهة نظرهم يثير الخلافات التي ستؤدي إلى إشاعة العداوة والبغضاء بين المسلمين، وتحول دون تحقق وحدتهم، أما الطرف الآخر فقد بلغ به حد التقديس للأخطاء التي صدرت عن شخصيات محسوبة على الرعيل الأول من المسلمين، أن يسوغ قاعدة فقهية تقول: إن المخطئ والمصيب لهما أجر، إلا أن من أصاب له أجران بخلاف من أخطأ الذي ليس له سوى أجر واحد.
ولقد أصاب الزهراء (عليها السلام) من الظلم بعد وفاة أبيها الشيء الكثير الذي يدمي قلب المسلم الغيور، ويبين حجم الانحراف الذي أصيبت به جماعات محسوبة على المسلمين، من ذلك ما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة، إذ يقول بأن حملة كبيرة من المسلمين اتجهت إلى بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بغرض الضغط على الإمام علي (عليه السلام)، لإعطاء البيعة، وقد هم قائد تلك الحملة بإحراق دار الزهراء بمن فيها، ولما قيل له: إن في الدار فاطمة بنت رسول الله محمد، قال: وإن.
وهذه الكلمة خطيرة جداً، إذ توحي بأن لا قداسة ولا حرمة لشيء حتى لرسول الله وابنته مادام ذلك الشيء سيمثل عائقاً أمامهم في الوصول إلى الملك والإمساك بمقاليد الحكم والسلطة، وقد أسست هذه الكلمة للكثير من المظالم التي وقعت بحق أهل البيت، كان أبشعها تلك المظلومية التي وقعت على سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي انتهت بقتله واقتياد بنات ونساء البيت النبوي كسبايا إلى الشام على مرأى ومسمع المسلمين جميعاً.
وقد عانت الزهراء من ظلامات كثيرة كان أبشعها كشف دارها والسعي لحرقه وقيل: لقد تم إحراقه بالفعل.
وقد روى ابن قتيبة أن الخليفة الأول لما دنت منه الوفاة قال: ليتني لم أكشف دار فاطمة حتى وإن كان علي قد أعلن الحرب.

أترك تعليقاً

التعليقات