مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كثيراً ما يتحدث المتحدثون عن رموزنا وأعلام ديننا، ولكنه حديثُ مَن يريد للذكريات الدينية الهامة بما تشتمل عليه من نماذج بشرية عظيمةٍ، أن تظل حبيسةَ الماضي الذي لا يُسمحُ لها بالخروج منه إلى الحاضر تحت أي ظرف، على الرغم من حاجتنا الماسة لمَن يوجه خطواتنا الحائرة في أكثر من مجال من مجالات الحياة المختلفة، وكثرة مشاكلنا الناتجة عن اتباع الأساليب المرتبكة في الجانب العملي، فنحن مثلاً نوالي أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لكن لا نريد لعليٍ (كرم الله وجهه)، أن يحضر بتوجيهاته ومواعظه وسيرته ومواقفه، وسلوكه وطريقته في الحكم ومعالجة الاختلالات وإصلاح الواقع المنحرف، ولا نحب أن يزورنا علي (عليه السلام)، في بيوتنا ولا في مساجدنا ولا في نوادينا الاجتماعية والسياسية والفكرية والعسكرية والأمنية وغيرها، لأن مفهومنا عن الولاء لايزال ناقصاً، ولربما بمستوى أقل بكثير من أولئك القوم الذين وصفهم الشاعر الفرزدق للإمام الحسين عليه السلام، بقوله: «قلوبهم معك وسيوفهم ضدك».
وهكذا ظل مفهومنا عن التولي محصوراً في نطاق العاطفة الساذجة التي لا يمكن لها أن تصنع وعياً شاملاً، أو تُوجِد حركةً قويةً، أو تبني موقفاً حاسماً، لكونها انطلقت بمعزلٍ عن الفكر الذي يريك العقيدة وهي تتجسد في الحركة والسلوك، وتتجلى في الكلمة والموقف في أكثر من صعيد.
وقد عانينا ولانزال نعاني من الكثير من التوجهات والأطروحات التي يحاول أصحابها تقديمها باعتبارها تعبيراً عن النهج الإسلامي الأصيل، وتجسيداً للخط العلوي المحمدي، مستغلين جهل الناس بسيرة ومنهجية سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، وكذلك جهلهم بسيرة ومنهجية سيد الوصيين (عليه السلام)، التي ليس فيها شيءٌ من الفرعنة القائمة على قاعدة «ما أريكم إلا ما أرى»، وإنما هي العدل كله والرحمة المطلقة، والوضوح التام والإحسان الشامل، والحب الذي يستوعب الحياة كلها، والذي يجعل صاحبه متواضعاً مع الناس قريباً منهم، لا يسمح بوجود لبس في أي قضية من القضايا لما لذلك من أهمية كبيرة في ما تتركه من آثار تعود بالنفع على الواقع كله، وهذا ما نستوحيه من قول أمير المؤمنين لمالك الأشتر ضمن ما ورد في عهده إليه لما ولاه على مصر: «وإن ظنّت الرعية بك حيفاً (ظلماً) فأصحر لهم بعذرك (بين لهم عذرك)، واعدِل عنك ظنونهم بإصحارك؛ فإن في ذلك رياضة منك لنفسك (تعويداً لنفسك على العدل)، ورفقاً برعيتك، وإعذاراً تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق».

أترك تعليقاً

التعليقات