جوهر الوعي
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
المؤمن بالله، وباليوم الآخر يتجلى إيمانه ذاك في طبيعة ما يقوم به من أدوار، ومهام ومسؤوليات، كلها تعبير عن التزامه بمبدأ العبودية لله، فإذا ما أظهره الله على مَن استضعفوه، وقهروه، وامتهنوا كرامته، وتنكروا لكل حقوقه الإنسانية، وفرضوا عليه نظما وقيودا تجعله تحت الهيمنة والاستعباد، وأصبح في موقع المنتصر والغالب، ورث الأرض والسلطان، وامتلك القوة التي كان يمتلكها خصمه، ويوجهها لضربه، لا تغريه الأموال، ولا تطغيه القوة، ولا تنسيه المكانة والمناصب والصولجان ما كان عليه بالأمس، والثمن الذي دفعه مع إخوانه المستضعفين حتى بلغوا ما بلغوه، والرعاية الإلهية التي أحاطته من كل اتجاه، فيظل وفياً لمجتمعه وأمته، مخلصاً لربه ودينه وقضيته، واعياً للمسؤولية التي يتحملها تجاه كل شيء في الحياة.
إن مثل هذا الإنسان يكفيه فقط مادام ملتزماً بما جاء من أجله، على أساس المشروع الذي يمثله: النظر والتأمل في آثار السلطات والأنظمة التي كانت تضطهده، كيف بادت؟ ولماذا؟ مع أنها كانت تمتلك كل مقومات البقاء والاستمرار؟ فيدرك أنه في مرحلة اختبار من الله، بحيث لا يقع في ما وقع فيه سلفه، ولا ينخدع بما ينخدع به عادةً عديمو الدين والخلق، وإذا كان أولئك قد ضُربوا من قبل الله على أيدي أوليائه، بالشكل الذي أظهرهم في عيون الناس كأنهم لم يكونوا يملكون شيئاً، مع أن منطلقاتهم لم تكن دينية، فكيف سيكون الحال مع أوليائه، حينما يتخلقون بأخلاق عدوهم، ويقتفون أثره عملياً في مختلف الميادين؟ لا شك أن ما سيقع عليهم سيكون أشد وأنكى، فالله سيسلط عليهم من أعدائه مَن يضربهم، وينكل بهم إلى جانب أنه هو: سيتدخل لضربهم، بأن يسلبهم التوفيق، ويحرمهم من نعمه، ويمحق أعمالهم، على حد تعبير الشهيد القائد، رضوان الله عليه، أما إذا تسافل الإنسان، ولم يعد ينتفع بما يراه من آثار وتجارب، ولا يسير وفق السنن الإلهية، فإنه سيفقد كل شيء، ليصبح كالبهائم، بل أحط منها بملايين الدرجات.
لذلك على مَن يتحرك على أساس منهج الله، أن يربي نفسه بناءً على ما تضمنه ذلك المنهاج من تعاليم ومبادئ وأسس، فلا يكون هذا التحرك مجرد وهم، وادعاء زائف، يكتفي بالتغني به في المنابر، بل يصير حقيقةً، تتجلى في ما ستخلقه لديه من رؤى ووعي وقيم وأفكار وتوجهات عملية، فالارتباط بالله، يوجد لدى الإنسان عيناً في القلب، تصنع لدى صاحبها البصيرة المعنوية، فالقضية ليست قضية سلامة الحواس الخمس من عدمها، بل لا بد من امتلاك البصيرة التي تمنح الحواس معناها وقيمتها، وهي كذلك تمنحنا القدرة على رؤية الجانب غير المرئي بالحواس في هذا الوجود، وهذا هو جوهر الوعي.

أترك تعليقاً

التعليقات