لن نفرط بنقطة الثقل المركزية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد آن الأوان لمغادرة كل الوضعيات السابقة التي عشناها، واعتدنا عليها، وألفناها، إلى الحد الذي جعلنا نتصور أن كل ما نتج عن تلك الوضعيات من أفكار ومعتقدات ومعارف وعادات ونظم وقوانين ومخرجات في كل مجال من مجالات الحياة أنها: عين الحق، وروح الحقيقة، ولا شيء يمكن له أن يأتي بما يثبت بطلانها، ويرينا كم كنا مغفلين وقاصري النظرة، ونحن نسير على هدى تلك الأشياء، ولا نهتدي من خلالها إلى شيءٍ نافع، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، ومع أن المسيرة القرآنية قد أثبتت من واقع الفعل، وعلى أساسٍ من التجربة الحسية: بطلان كل تلك المضامين والعلوم والمعارف التي كانت قائمة، لا سيما تلك العلوم ذات الاتجاه الديني، بكل مجالاتها وتفريعاتها، العبادية والأخلاقية والعقائدية، واتضح للجميع أنها وُجدت في حالة فراغ وعزلة وركود حضاري، ولم تُنتج سوى المزيد من التيه والضلال والتخبط، وانعدام الوزن، كما أسست للنفور من الدين، وأعطت للمجتمعات المسلمة الحق في البحث عن الوسيلة التي تمكنها من الخروج مما هي فيه، بعيداً عن الدين والفقهاء، إلا أن البعض لايزال مصراً على ضرورة استعادتها إلى الواجهة من جديد، وذاك الإصرار الذي بدأت ترجمته في أكثر من ميدان إلى خطوات عملية، هو: التهديد الحقيقي للمشروع القرآني، لكونه سيتحرك باسمه، ويعمل على ضربه من داخله، ويتسبب بإيجاد الحواجز التي تحول بين الناس وبينه، وتمنعهم من التعرف عليه كما هو، هذا إلى جانب عودة كل مظاهر الركود والتسافل والانحطاط والقصور والتفكك، وكل ما كان سائداً قبل اكتمال بدر مران، وإشراقة صبح يوم أذان البراءة، فيما لو استمر هذا البعض على ما هو عليه.
لقد جهل هذا البعض أو تجاهل: كل تلك الأمراض والعلل والأسقام التي حلت بجسد مجتمعنا وروحيته، وكانوا هم مع الطغاة والمستبدين سببها المباشر، والتي ظل يرزح تحت أغلالها حتى جاءت يد الحادي والعشرين من أيلول، فانتشلته منها، ووضحت له سبيل النجاة، وأكدت من واقع الممارسة والتطبيق أن: العزة والسلامة والكمال والنصر والقوة والتمكين أمورٌ لا تتأتى إلا من خلال الاعتصام والالتزام بحبل الله الممدود ما بين الأرض والسماء، فبه يسمو التراب، وتنفتح له أبواب الملكوت، فيحلق بجناحي الروح والعقل في سماوات الكمال، ويقف في محراب الأرض على بساط العبودية والتواضع، تالياً آيات النهوض بأمانة الإعمار، التي يقتضيها معنى الاستخلاف. وهكذا يتأنسن الطين، ويتأملك الإنسان.
فهل هناك سوى القرآن وقرنائه يمكن له أن يحقق للفرد وللأمة العصمة من السقوط والضلالة والتبعية والاستعباد والظلم؟
لقد استمسكنا بنقطة الثقل المركزية التي بها تتحقق لنا القوة والمنعة، وتزدهر الحياة، فكيف لمَن توفرت له كل الوسائل التي ترتفع به في مدارج الكمال، أن يعود إلى ما تدعونه إليه من الضلال والحيرة؟
لعمري لن يترك كتاب الله وراء ظهره، ويعمل بآرائكم ومسائلكم واجتهاداتكم إلا شخصٌ غلبته ذنوبه، وحرمته التوفيق، وأحالت شخصيته إلى بنية متهالكة، ضعيفة لا حول لها ولا قوة، فقدت كل الاعتبارات والمواقع التي تؤهلها للقيام بدور إيماني خالص في هذا الوجود!

أترك تعليقاً

التعليقات