ورد ومورد «الحلقة الحادية عشرة»
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
"الحمد لله الذي يجيبني حين أناديه، ويستر علي عورتي وأنا أعصيه، ويعظم النعمة علي فلا أجازيه، فكم من نعمة قد أعطاني، وعظيمة مخوفة قد كفاني، وموهبة مؤنقة قد كفاني، فأثني عليه حامدا، وأذكره مسبحاً..".
لانزال في محراب الابتهال إلى الله، مقيمين في مقام الخشوع بين يديه ومظهرين انسحاقنا أمام عظمته، وكاشفين افتقارنا أمام غناه المطلق، وعجزنا أمام قوته التي لا قوة لنا إلا بما أعطانا منها ويسره لنا كي نحصل عليها ونحن الأذلاء المحتاجون له، فهو العزيز الذي لا عزيز في الخلق إلا من أعزه هو سبحانه وتعالى، ولا قيمة لمخلوق إلا بمدى تعبيده لنفسه في طاعة الخالق تقدست أسماؤه، ولا سبيل لصلاح الحال، ونيل الاستقامة والهداية، وبلوغ الفلاح واستحقاق الفوز إلا بترسيخ مبدأ الوحدانية له، وتنقية النفس والأعمال في دوافع القيام بها والغايات المرجوة من وراءها من كل شائبة تصرفنا عن الله وترغبنا بما لدى سواه فنقع في الشرك بربنا ونضل عن طريقنا، وننحرف عن سبيل الله، ونحيد عن صراطه المستقيم والعياذ بالله.
من هنا يتجدد اللقاء مع دعاء الافتتاح الذي نجد في ما تقدمه فقراته عوامل إخصاب القلوب الجدباء، وجداول الارتواء للنفوس العطشى، ومقومات اليقظة للغافلين، وإمكانات التبصرة لمن يبحثون عن البصيرة ويسعون لتعزيز الوعي في نفوسهم وتصحيح فكرهم وثقافتهم ليكونوا لله في ما يعتقدون ويعملون ويقولون ويتحركون، ساحاتهم أماكن عبادة مهما اتسعت وتعددت، ونفوسهم عاشقة للشهادة ومحبة لها ومظهرة للشوق إليها ويسعون لمعانقتها ونيل القرب منها، بل الاتحاد بها والتوحد عنها، فهم في طريقها ماضون مهما طالت وامتدت، وعليه نقف أولاً مع فقرة من فقرات هذا الدعاء التي نطل من خلالها على صنف هذبهم الإيمان بربهم وقومتهم التقوى واستقامت بهم الهداية فأسلموا لله وجوههم وأخلصوا له نفوسهم وسلموا له أرواحهم فأبصروا بنوره وتكلموا بكتابه ونطقوا بالحق الذي أحقه وعملوا بما أمر واجتنبوا ما نهى.
قلوبهم مليئة بحبه وألسنتهم رطبةٌ بذكره ودعائه أعينهم تقرأ آيات خلقه للسماوات والأرض، ليستقر في وجدانهم بعد ذلك الغاية من خلقهم والهدف من وجودهم فيعيشون حالة الاستذكار لنعم الله عليهم راجين عفوه وطالبين رحمته ومعترفين بتقصيرهم في عبادته ومقرين بتنكرهم لفضله وتماديهم بعصيانه وهو الذي يستجيب لهم ويستر عليهم ويتعهدهم بلطفه ويقيهم ما يخافون فتنطلق منهم كلمات الحمد له والثناء عليه، ويصبح وقتهم شاهداً على الذكر لله وتسبيحه وتمجيده وتنزيهه سبحانه.

أترك تعليقاً

التعليقات