شهامة العالم وخيانة الأعراب!
 

د. أحمد المؤيد

د. أحمد المؤيد / لا ميديا -

دأبت الشعوب العربية على التغني بقيم إنسانية، أهمها الشهامة، والتي في أحد تعريفاتها أنها سمو الروح في البذل المادي أو المعنوي بأفضل مستوى دون أن يضطر المتلقي للطلب.
وتتفاعل الأمم والحضارات قربا أو بعدا عن هذه القيم، لتتشكل هوياتها وهويات شعوبها، ولكن هناك من يوغل في التغني بها لدرجة توصف بالـ"الهياط" أو "الفشر" بالمصري، وباليمني "الخرط" وبالعراقي "تطيير أفيال"، حتى يبدأ الشك في مصداقية ذلك التغني. وهنا سنسلط الضوء على هذا السلوك من جانب سياسي لنرى ماذا كانت النتيجة، وسنبدأ كما يلي:
الشهامة الأمريكية: تتجلى في أوضح صورها تجاه الكيان الصهيوني، فمنذ عام 1948 يلتزم كل رئيس أمريكي بحماية "إسرائيل"، ويرسل لها ما تحتاجه من سلاحه ويقاتل أعداءها ويحاصرهم ويفرض عقوبات عليهم ويغطيها في مجلس الأمن بأي غطاء سياسي تحتاجه ويدعمها بالمال إذا احتاجت تحت مبدأ "الصنو جنب الصنو".
الشهامة الأوروبية: تتجلى هذه الشهامة في زمننا الحديث في علاقات دول الاتحاد الأوروبي فيما بينها، إذ رغم اختلاف لغاتها وأعراقها إلا أن أحدا منهم لا يستسيغ أن يصل مع جاره حد القطيعة، ولا يغضبه ولا يؤذيه ماليا أو اقتصاديا، حتى وإن كان قادرا على ذلك، بل في عام 2014 عندما أوشكت اليونان على الإفلاس، لم يقولوا دعونا نفصل اليونان ونخلص منه وليغرق بديونه، بل أنشؤوا خطة حفز اقتصادي بـ110 مليارات دولار، وتدخلوا بشكل مباشر في إدارة الاقتصاد وضبط الأمن الإداري والتقني في كل مرافق الدولة، حتى بدأت اليونان تتعافى خلال عامين، ثم نفخوا الروح فيها بخطة ثانية بـ90 مليار دولار حتى استعاد اقتصاد اليونان عافيته وعاد دولة مستقرة، تحت مبدأ "الصنو جنب الصنو".
شهامة محور المقاومة: هي دول عربية إسلامية جمع بينها عامل مشترك كبير هو قضية فلسطين واحتلالها من قبل الصهاينة، ثم جمع بينهم مفهوم مقاومة نفوذ أمريكا -التي تقبع خلف الأطلسي- في منطقتنا، واستهداف دول المنطقة دولة بعد أخرى، ثم جمع بينهم مفهوم حتمية بناء قدرات الدفاع والصناعة والزراعة ذاتيا، والاعتماد على النفس كوسيلة أساسية للنهوض ومقاومة الهيمنة الأمريكية على المنطقة، ووقفوا بجانب بعضهم في الحروب، وتبادلوا خبرات تصنيع الصواريخ والمسيرات وتطوير الصناعات الدفاعية، وساندوا بعضهم سياسيا وإعلاميا، بغض النظر عن اختلافاتهم المذهبية، فهم يشكلون خليطا من السنة والزيود والاثني عشرية وغيرهم، وتم دعم المقاومة الفلسطينية ماليا وبكل خبرات التصنيع، وتم دعم المقاومة في لبنان بالمال وبكل خبرات التصنيع... وهلم جرا، تحت مبدأ "الصنو جنب الصنو".
شهامة الأعراب: هنا برز عندنا مجموعة دول تسمي نفسها "عربية"، و"هياطها" عن الشهامة والفزعات يملأ آفاق الدنيا، وبدأ العالم يركز نظره عليها عندما أعلنت إيران إغلاق سفارتي واشنطن و"إسرائيل" عام 1979 ليرى أين سيقفون، فما كان منهم إلا بيع الأخ المسلم لأمريكا وجيشوا عليه الجيوش والإعلام والسياسة لتدميره.
ثم أرادت أمريكا استهداف العراق فسخروا بلادهم لها كموطئ قدم لجيوش تحالفها لدك العراق وتدميره. ثم أرادت أمريكا تدمير سوريا فسخروا مئات المليارات لذلك وسخروا إعلامهم وسياستهم لإنجاح مخطط أمريكا. ثم علموا أن أمريكا ترغب بتدمير اليمن بعد أن سادت فيه ثقافة مناهضة المشروع الأمريكي في المنطقة، فمولوا عمليات تدميره بمئات المليارات وسخروا إعلامهم وسياستهم لذلك، وجعلوا من اليمن أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
وأخيرا: حاصروا أجواء الدول العربية (إخوتهم)، وفتحوا المجالات الجوية للصهاينة وبدأ قطار التطبيع، ومن لديه معوقات مالية أو سياسية للتطبيع تكفل الأعراب بتذليلها، ليزداد عدد المطبعين ويتشكل كمحور آخر في وجه محور المقاومة، وعملوا بكل إخلاص وتفان لخدمة أمريكا و"إسرائيل" في كل مجال، تحت مبدأ "الصنو جنب الصنو".
وهنا بات واضحا أن كل من يمت إلى محور الأعراب تجده متبلد الإحساس تجاه قضايا الأمة، فها هي إيران تحاصَر وتجوَّع ويقتل علماؤها، ولا يرف لهم جفن! وها هي سوريا تحاصَر وتجوَّع ويسرق الأمريكان نفطها، ولا يرف لهم جفن! وها هو اليمن يحاصَر ويقصَف ويجوَّع شعبه ويتحول إلى أسوأ كارثة إنسانية، ولا يرف لهم جفن! وها هو العراق غزته "داعش" فدمرته وسبت نساءه وقتلت شعبه (سنة وشيعة)، ولم يرف لهم جفن! وها هي فلسطين تقضم وتصادر القدس وتبنى المستوطنات، ولا يرف لهم جفن!... وإلى الله المشتكى.
تحياتنا للشرفاء.

أترك تعليقاً

التعليقات