أصنام في طريق المعرفة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يواجه الإنسان في سيره للوصول إلى المعارف العلمية بعض العقبات والموانع التي لا بدّ له من السعي لتلافيها، وأهمّها الأخطاء التي يبتلى بها الذهن. ونظراً لكون هذه الأخطاء سبباً لضلال الإنسان، يُعبّر عنها بالأصنام، وهي أربعة أنواع، كما يقول الباحثون هي:
1. الأصنام المشتركة: أي الأخطاء التي هي من خصائص طبع البشر، فكما أنّ المرآة المعوجّة تحرف أشعة النور وتخرّب الصور وتبشّعها، كذلك المحسوسات والمعقولات تنحرف في ذهن الإنسان وتضيع؛ مثلاً: يميل الذهن لإدراك الأمور بنحو تام ومنتَظِم، فيبني خطأ على التشابه بينها؛ فحيث يرتضي الدائرة نراه يحكم بكرويّة العالم واستدارة حركات أجزائه. وأيضاً يقوم بقياس كل شيءٍ على النفس، ويظن أنّ لكل شيءٍ علَّة غائيَّة، كما أنّه يتبنّى أي عقيدة غيبية، ودون تأمّل، ويسعى للبحث عمّا يؤيّد صحة ما يعتقده، دائماً ويغفل عما يضعّفها؛ فإذا رأى مناما يطابق الواقع صدفة يَبني عليه، ولا يتذكّر عدم مطابقة مائة من المرّات بين المنام والواقع، ويتعصّب لما يختاره من عقائد، وغالباً ما يفتقد الإنصاف ويحكم وفقاً لعواطفه ونفسيّاته من الغرور والنخوة والخوف والغضب والشهوة. فحواس الإنسان التي هي منشأ علمه قاصرة، وفي معرض الخطأ، ولا يسعى لإصلاح أخطائه عبر التأمّل والتعمّق،  ولا يتعمّق في المطالب، وبدل أن يشرّح أمور الطبيعة يهتم دائماً بالتجريدات الذهنيّة ويظن أنّ أمور ذهنه التجريديّة والانتزاعيَّة حقيقة من الحقائق.
2. الأصنام الشخصيَّة: أي الأخطاء التي يُبتلى بها الأشخاص بمقتضى طبائعهم الخاصّة؛ كما لو تعلّق قلب الشخص بأمرٍ ما فإنّه يجعله مداراً ومحوراً لعقائده، فأرسطو مثلاً كان شغوفاً بالمنطق، وقد بنى فلسفته عليه. وهناك بعض الأفراد يلحظون المشابهات ويعمدون إلى الجمع بين الأمور، وهناك بعضٌ آخر يلحظون بشكل مستمرّ ما بين الأمور من اختلافات وفروق.
فبعضٌ من الناس يُصدِرون أحكاماً جازمة في كلِّ باب، وبعضهم يعيش حالة الترديد والتأمّل ما يجعله شكّاكاً. البعض يعشقون القدماء، وآخرون لا يرونهم شيئاً ويميلون إلى المتأخّرين غافلين عن لزوم ألا يكون الزمان هو المناط في الرأي؛ بل لا بدّ من قبول قول الحقّ من كلِّ قائل، سواء كان من المحدَثين أو من القدماء. وهناك بعض الأذهان تلاحظ الجزئيّات دائماً، وآخرون همهم الكلّيات، والحال أنّه لا بدّ من ملاحظة كلا الاثنين.
3. الأصنام السوقيَّة: وهي الأخطاء التي تنتقل بين الناس نتيجة عشرتهم مع بعضهم البعض، وذلك بسبب النقص والقصور الموجود في الألفاظ والعبارات؛ لأنّها موضوعة من قبل العامّة ولم تخضع للبحث والتدقيق. فهناك الكثير من الألفاظ ليس لمعانيها وجود في الخارج، مثل الحظّ والصدفة والأفلاك. أو أنّ معانيها مجملة ومشوّشة وغير واضحة أو صريحة؛ مثل الجوهر، العرض، الوجود، الماهيَّة، الكون، الفساد، العنصر، المادّة، الصورة وأمثالها. لهذا السبب هناك الكثير من الأمور لا تُفهم بشكلٍ صحيح فتُعطي للناس تصوّرات خاطئة.
4. الأصنام الاستعراضيَّة: وهي الأخطاء التي تحصل نتيجة التعليمات والاستدلالات الخاطئة للحكماء. يرى «بيكن» في هذا المجال أنّ كلَّ مذهبٍ من مذاهب الحكماء يملك نمطاً استعراضيّا، ويرى أنّها ثلاثة أقسام: القسم الأوّل يُسمّيه السوفسطائيّ أو النظريّ؛ يعني أنّ الفيلسوف ومن دون أن يحقّق ويدقّق في بعض الأمور المتداولة يتّخذها أساساً يَنسج عليه جملة من الخيالات؛ القسم الثاني الحكمة التجريبيّة، وهو على عكس القسم الأوّل قلّما يعتمد فيها على التعقّل والاستدلال، ويُكثر من الاعتماد على التجريبيَّات والأمور العمليّة. القسم الثالث يَبتني على المنقولات والإحساسات والعقائد المذهبيَّة، مثل تعاليم فيثاغورس وأفلاطون اللذين أرادا صنع الفلسفة اعتماداً على سفر التكوين وكتاب أيوب، حتَّى إنَّها أخذا معلومات من الأرواح والجنّ والملائكة، ويُطلِق بيكن على هذا القسم الفلسفي فلسفة الموهومات.

أترك تعليقاً

التعليقات