جل ما يخشاه المزرون
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ندري أننا في ظل مشروعٍ لا متناهي العظمة، مشروعٌ روحه الوحي، وحركته ويده ولسانه مطبوعةٌ بطابع الفداء والتضحية والعطاء الجم، من قبل رجال صدقوا، ولكن علينا ألا نقف عند ما تم لهم، ونكتفي بالحديث عنهم فحسب، بل يجب أن نسأل أنفسنا: ما الذي يجب علينا فعله كمنتمين لمشروع قرآني ورجال ثورة تحررية شعبية انطلقت من بين المستضعفين، وحملت همهم وتطلعاتهم وآمالهم؟
وقد علمنا الشهيد القائد رضوان ربي عليه وسلامه؛ أن الطريق إلى إقامة دولة العدل الإلهي، يبدأ من إقامتها في دواخل العاملين، وصياغة نفسياتهم وفقها، ما لم فإن الجهود مهما عظمت فلن تنتج سوى الفراغ، وإن التحركات مهما اتسعت، فلن توجد سوى المزيد من التيه، إذ المسألة في الإسلام مختلفة تماماً عما لدى النظريات الوضعية، والفلسفات السياسية البشرية، التي تقضي بضرورة التزام الفرد العملي كآلة، ولا مانع من أن يختار على صعيد علاقته بنفسه، وحياته الخاصة النمط الذي يريد، ويمارس ما يشتهي، فلا شيء يحق له أن يحكمه، أو يعمل على وضع محددات وضوابط لسلوكه وتصرفاته.
فأنت واجدٌ مثلاً أحدهم في شاشات الفضائيات، وزوايا الصحف يتحدث عن عظمة الهدى الذي هو نعمة من الله علينا في هذا الزمن الصعب، والواقع المنفلت المفكك الخانع الخائر الضعيف الذي تعيشه الأمة، مشيراً إلى العنوان الجامع الذي يحدد لنا المبدأ، ويوحد القوى، ويجمع القلوب، على أساس الهوية الواحدة، وهي الإيمان بكل أركانه ومقتضياته، وآثاره، وما إن يفرغ من ذلك الحديث، حتى يتجه نحو الإتيان بما ينقضه عروةً عروة، ويخل به عنصراً عنصرا، ويخلخله ويقوض بنيانه لبنةً لبنة، أناني النظرة، سريع البطش بمَن هو أقل منه مرتبة وقوة وجاها ومالا، كثير الغضب لأتفه الأسباب، إذا خالفته في الحكم على الأشياء، أو بعضها، كان ذلك سبباً كافياً له كي يعاديك، ويحاربك، ويسعى بكل قوة للقضاء عليك تماماً، بلا رحمة، ودون مراعاة لأيٍ من الثوابت التي جاء بها دين، وعبر عنها خلق إنساني سليم.
وإذا كان الواجب يفرض علينا صياغة الذات العاملة، كما نريد أن يصاغ ويقام الواقع الخارجي، فإنه كذلك من الواجب اليوم: أن يلمس الناس الانسجام بينهم وبين العاملين، بحيث يجدون أن مَن يدعونهم، ويديرون شؤونهم هم أناسٌ يعيشون بينهم، ويقاسون من كل ما يقاسيه السواد الأعظم منهم، ويمرون بذات الظروف والأزمات، حقيقةً لا ادعاءً ودغدغة للعواطف، وتصنعا للزهد والصلاح، عندها يدرك الجميع أنهم أمام مشروع جاء لتوحيدهم، وإحيائهم، وإزالة كل الفوارق والطبقات والحواجز التي كانت وراء شقائهم وشرذمتهم وتشتتهم وضياعهم في السابق، وأن ليس هناك من أحد لايزال يعيش في برجه العاجي، وحتى لو قام بمخاطبتهم، فإنه لا يقف سوى على الهامش من حقيقة ما يجدونه على الطبيعة، ويلتقون به على مدار الساعة في اليوم والليلة.
إن جل ما يخشاه كل مزرٍ اليوم هو وجود أي عمل أو جهد فكري وثقافي يمكن له أن يفتح آفاقا جديدة لحركة المشروع القرآني، ويسهم في تعزيز الوعي لدى عموم المجتمع بطبيعة ومبادئ وقيم ومكونات وأهداف المسيرة نهجاً وقيادة وخطا موصولا بزخم الثورة الدائمة، قائما على التذكر للنعم، والتفكر في الكون والوجود، يدعم الإبداع، ويحث على المسارعة، ومراعاة جانب التميز والكمال في كل عمل نعمله، لذلك كان لا بد من محاربة هكذا توجه، لأنه متى ما استوعب الكثيرون هذا المشروع سقطت وتلاشت وتبخرت مبررات بقاء العجزة والناقصين، والفاشلين والمرضى في موقع الصدارة على مستوى الواقع كله، ولوجد الناس من بينهم الجديرين بتحمل المسؤولية، الأمناء على ثورتهم ومكتسباتها الجليلة.

أترك تعليقاً

التعليقات