فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
كل ثورة لها شعارات قد يكون بعضها عبارة تبين أهداف الثورة وما يمكن أن تنجزه بعد النجاح، وعادة ما تكون هذه العنوانات منبثقة من أمنيات الشعب التي لم يحققها في مراحل سابقة. والحق أن بعض هذه الشعارات لا تُفهم كما ينبغي، بل إن الخلط في المصطلح قد يؤدي حتما إلى الفشل. وكان «أدولف هتلر» كما كتب في «كفاحي» يطمع أن يستولي على أوروبا ومناطق أخرى في العالم من أجل رخاء الشعب الألماني، ولكنه فشل لأنه لم يعرف حقائق كثيرة عن الشعوب التي احتلها وحاول أن يحتلها.
في بداية التسعينيات زرت برلين (ما بعد الانفصال) وكنت أتطلع إلى الساعة الرابعة عصراً، وقت انطلاق قطاري إلى باريس عاصمة النور وانطلقت في موعد لأغير القطار في منطقة «كولون»، لأصل صباحاً في حدود الثامنة منطقة باريس. وعجبت أن هتلر وهو يخطب في برلين محدداً موعد وصول قواته إلى باريس في الموعد نفسه، فرأيت كم أن هذا الزعيم العظيم كان متهوراً إلى حد أنه يعطي مواعيد الاحتلال بثقة بالغة، بينما كان لا يبالي بكثير من آراء مستشاريه الذين يختلط عليهم كثير من مصطلحاته الاستعمارية.
والحق أننا أمة لا تعي بالضبط ما يقوله هذا المصطلح أو ذاك، وهذا سبب ما وصلنا إليه من ضعف عميق. وإذ أقرر -ومن وجهة نظري الخاصة- أن مشكلتنا في عالم العروبة والإسلام هي بشكل خاص وعام مشكلة مصطلح فإنني أعني ما أقول، فلقد نشأ في بلدان «الشرق الأوسط» إبان الاحتلال العثماني مصطلح «سلفي» وهو مصطلح الخلافة الإسلامية على يد الذي نفذ من «الباب العالي»، ولم تتحقق الخلافة الإسلامية على النحو الذي يفهمه السلف الصالح، وإنما الذي تحقق هو تثبيت الجباية التي تذهب إلى الباب العالي من عرق الفقراء والمعدمين، حتى إذا ما جاءت فكرة الثورة العربية وجدنا أنها لا تعني ما تقول وإنما كرست فكرة الإقطاع الذي محاه رجال ثورة مصر 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار المصريين وعلى رأسهم الزعيم جمال عبدالناصر الذي رفع علم «القومية العربية».
مصطلح «القومية العربية» الذي رفعه الضباط الأحرار المصريون، وعلى رأسهم الزعيم جمال عبدالناصر،  هو مصطلح غائم سرعان ما تفكك بفعل انفصال سورية عن مصر بعد وحدة كانت مهوى كثير من المواطنين العرب، إذ أعلنت الوحدة في 22 شباط/ فبراير عام 1958، ثم هناك ما يسمى «القومية العربية» التي نادى بها كل من زعماء سورية والعراق، ولعدم وضوح المصطلح بين النظامين أيهما يبدأ مصطلح الوحدة أم مصطلح الاشتراكية.
ومثال آخر «مؤتمر حرض» الذي حدث في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1965 بين الجانب السعودي والجانب المصري ليتم إعطاء الحرية للشعب اليمني ليختار النظام الذي يريد، وكان أن اختار اليمنيون بغالبيتهم النظام الجمهوري، مما سبب كثيراً من المشاكل في فهم مصطلحي الجمهورية والملكية، الأمر الذي حد بالزبيري وأحمد محمد نعمان بدافع تحرير القرار اليمني من سطوة السفارة المصرية بالقرار اليمني المستقل ليغادر عاصمة الجمهورية صنعاء إلى برط لتحشيد القبائل لإنجاز جمهورية حقيقية.
نقول هذا من قبل العبرة والعظة، لنفهم فكرة «التحشيد» ضد منافقي الخليج الذي يصبُ جام غضبه على شعبنا اليمني ويستهدف اجتثاثه من الجذور، فكنا نطمع أن يفهم هذا المصطلح على حقيقته، فالمفهوم الذي لا يعرفه كثيرون لا يدل إلا على ما يمكن أن نسميه بالمواعظ والخطب الرنانة. معنى التحشيد يشمله بالإضافة إلى ذلك البحث عن الإمكانات الشعبية والرسمية ليصبح مصطلحاً يشمل القدرة على محاربة الغايات التي يكرسها كثير من الناس لتحقيق مصالح ذاتية خاصة مما يدعونا إلى التنازل عن أنانيتنا ولو لفترة الحرب ومواجهة العدوان الذي ينكل بنا صباح مساء دون رحمة أو مروءة، مما يجعلنا نخشى أن تتكرر أنانية بعض القوى التي كانت تطمع أن تفيد من شعارات في أول الثورة اليمنية كفكرة المقاومة الشعبية والتي حرص بعض المنغمسين في عبادة الذات على أن يحققوها لولا وجود الشرفاء المخلصين الذين دافعوا عن الثورة والجمهورية بكل بسالة وشجاعة.
واختصاراً، إن ما هو مطلوب إلى «حكومة الإنقاذ» أن تقوم بإنجاز إعلامي رشيد يتصدى لشرح هذا المصطلح لينهض كل الشعب، مواطنين ورؤساء، للتصدي لكل مؤامرات تصدر عن الفكر الصهيوني المستبد والذي بدأت تباشره واضحة من خلال طارق عفاش الفكر الانتقالي المنحرف. وبالله التوفيق.

أترك تعليقاً

التعليقات