فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
كان للعلم توقير وإكبار وإجلال اعترافاً بفضل العلم على الجهل. وتراثنا الإسلامي حافل بهذا التقدير للعلماء ما لم يسبق لأمم من الأمم، وإن كان تقدير العلماء باعتبارهم وسائط شيطانية لأنهم يتلقون أنباءهم عن الجن والسحرة. أما القرآن الكريم فقد رأى أن الميزة الأكبر هي في أنهم يتعالون عن الجهل، وأن الجهل هو الظلام كله والضلال كله، ومن هنا تكون التسوية أمراً غير مقبول، لأنه يتنافى مع منطق البداهة والعقل في أدنى مستوياته.
"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". ولست بصدد الحديث عن مكانة العلماء في تراثنا الديني، فهو مما لا يتسع له المقام هنا، وحديث شريف كافٍ للتنويه بطالب العلم تلميذ هذا العالم الجليل فإن الملائكة تضع أجنحتها رضاً لطالب العلم بما يصنع. وكثير من علماء الإسلام دونوا في هذا الموضوع مدونات كثيرة، فقد كتب حجة الإسلام محمد بن محمد الغزالي الطوسي توفي أوائل القرن الخامس للهجرة (505) كتاباً صغير الحجم في التصوف الإسلامي صنفه للمبتدئين على طريق التصوف وما يسميه بعض المتأخرين "طريق العرفان"، "بداية الهداية"، أكد كثيراً على وجوب تقدير التلميذ "المريد" لأستاذه أو معلمه. وللإمام الشوكاني كتاب خطر القدر جليل الخطر اسمه "أدب الطلب"، ويعني طلب العلم، ويضم مجموعة من الأخلاق التي ينبغي لطالب العلم أن يحرص على التخلق بها اقتداء بما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم مع المعلم الأكبر سيدنا محمد صلى الله عليه وصحبه وسلم، فقد كانوا لا يرفعون نظرهم إليه، توقيراً ومهابة.
لقد اختلفت -وهذا شيء طبيعي- كثير من القيم في عصرنا الحاضر عن القيم القديمة، ويرجع ذلك فيما يبدو لطبيعة العلاقة بين الكنيسة وتابعها ابتداء من نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وتأزمت في مراحل لاحقة وخاصة في عصر التنوير الذي قضى على أخلاق الكنيسة الكهنوتية التي رأى "التنويريون" أنها تعارض النهضة والتقدم البشري لما تروجه من خرافة لا تحترم العقل، ومن هنا كانت القداسة عالقة بمفهوم الدين الذي يعد في نظر بعضهم قيداً يحول دون خطى السير أماما. ولأن كثيراً من التربويين لم يقفوا على الأسس العلمية للتربية فإن ما تثيره بعض الحكايات المزعجة والتي تقفنا على أن نستشرف مستقبلاً على درجة من التعاسة، فمدرس يصفع تلميذه لأنه لامه لعدم كتابة الواجب، وأستاذ جامعي زبط (ركل) مؤخرة أستاذه الضيف أكثر من مرة لإهدائه له بعض النصائح... وليس آخراً منظومة القيم تنحدر بسرعة، فالنجدة!

أترك تعليقاً

التعليقات