محمد العفيفي..المخترع الذي أثبت أن العبقرية لا تحتكرها الحضارة الغربية
- عبد الحافظ معجب الأثنين , 18 أغـسـطـس , 2025 الساعة 12:22:21 AM
- 0 تعليقات
عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
يبدو أن التاريخ كثيراً ما يختار أن يكتب بمداد القوة لا بمداد الحقيقة؛ فكم من عقل عربي وإسلامي لمع في سماء الابتكار، لكنه وُورِي خلف ستار التجاهل، أو طُمِس أثره عمداً في ظل ماكينة إعلامية عالمية لا تُعلي إلا من شأن الغرب، وتُكرِّس صورة نمطية في ذهن العربي أن العبقرية تُولد هناك فقط.
ومن بين هؤلاء المبدعين يبرز اسم المخترع اليمني محمد علي العفيفي، الملقب بـ»أديسون اليمن»، الذي وضع بصمته في عالم الاختراعات بإنجازات سبقت عصرها؛ لكنه لم ينل حقه من الإنصاف ولا المكانة التي تليق بما قدمه.
العفيفي لم يكن مجرد حالم يلهث خلف فكرة، بل كان عقلاً عملياً يلتقط الفجوات ويملؤها بابتكار. فمن أبرز اختراعاته جهاز الأوتوكيو (Autocue) عام 1979، الذي غيّر وجه الإعلام المرئي وساعد المذيعين على قراءة الأخبار بسلاسة، وهو الجهاز الذي تبنته كبرى الفضائيات العالمية. كما ابتكر جهازاً كاشفاً للحالات النفسية والعصبية عن بُعد، يعتمد على التقاط الإشارات الكهرومغناطيسية من جسم الإنسان وتحويلها إلى طاقة كهربائية تقيس الحالة النفسية، فضلاً عن مشروعه المثير للدهشة «التلفزيون الشامّ»، القادر على بث الروائح مع المشاهد، وهي فكرة لم تُنفَّذ عملياً إلا بعد عقود على أيدي شركات كبرى في الخارج.
ورغم هذا التميز العلمي، واجه العفيفي صعوبات جمّة، من إهمال مؤسسي وغياب الدعم، إلى تضييق مادي جعل بعض اختراعاته تُدفن في الأدراج. المفارقة المؤلمة أن كثيراً من ابتكاراته، حين خرجت إلى حيّز التطبيق في العالم، نُسبت إلى عقول غربية، في صورة متكررة من صور التهميش الممنهج للعبقرية العربية.
لكن الإنصاف لا يقتضي النظر إلى العفيفي وحده، بل وضعه ضمن سلسلة ذهبية تمتد إلى قرون سابقة، حينما كان العلماء المسلمون يتسيدون ميادين الفكر والمعرفة. فمن الرازي الذي وضع أسس علم الطب السريري، وابن سينا الذي خلّد اسمه في تاريخ الطب بكتابه «القانون»، والخوارزمي مؤسس علم الجبر الذي لا تزال البشرية تدين له بعلم الرياضيات الحديثة، وابن الهيثم الذي وضع أسس علم البصريات والتجربة العلمية، والجزري الذي ابتكر الآلات الميكانيكية وأسس للهندسة الصناعية... هؤلاء لم يكونوا مجرد أسماء في كتب التاريخ، بل كانوا رواداً حقيقيين للبشرية، وقد نهل الغرب من علومهم وبنى عليها نهضته.
إن مشكلة العقل العربي اليوم ليست في غياب المبدعين، بل في طغيان رواية واحدة يفرضها الإعلام الغربي، تتغذى على هوليوود وأدوات الهيمنة الناعمة، لتزرع في وعي الأجيال أن الحضارة الحديثة هي منحة غربية خالصة، وأن العبقرية لا تزهر إلا خلف بحار الأطلسي. هذه الصورة التي تُراد لنا ليست سوى نصف الحقيقة، بل أقل من ذلك، إذ تتجاهل عمداً أن أمتنا أنجبت ولا تزال تنجب نماذج من أمثال العفيفي؛ لكنها تُحاصر في دوائر التهميش أو تُدفن في ملفات البيروقراطية.
اليوم، ونحن نكتب عن «أديسون اليمن»، فإننا لا نوثّق سيرة مخترع وحسب، بل نعيد الاعتبار لمرحلة من الصراع المعرفي بين أمة قادرة على العطاء وبين منظومة عالمية تحاول حجب ضوئها. الرسالة الأعمق هنا هي أن الاستمرار في الانبهار بالحضارة الغربية المزيّفة، التي صُنعت في استوديوهات هوليوود، لن يقود إلا إلى المزيد من الارتهان للآخر. أما الطريق الصحيح فيبدأ بخطوة وعي شجاعة: أن نفتش في دفاترنا نحن، أن نقرأ تاريخ علمائنا، وأن نبحث عن مبدعينا الأحياء بيننا، في الجامعات والورش والمختبرات، حيث تقبع إنجازات مذهلة لليمنيين والعرب، لكنها تُركت حبيسة «أوراق اليأس» أو «مكاتب الإهمال».
إن تكريم العفيفي والاحتفاء بإنجازاته ليس مجرد وفاء لشخص، بل هو فعل مقاومة ضد ثقافة التهميش، ورسالة إلى القارئ العربي أن يتجاوز عقدة النقص، وأن يثق أن أمتنا ولّادة بالعبقرية. فمن أراد الحقيقة فليبحث، وسيجد أن المستقبل لا يُكتب في الغرب وحده، بل يمكن أن يُكتب من جديد في صنعاء، وبغداد، والقاهرة، وقرطبة، حيث لا تزال بذور الحضارة الإسلامية حية تنتظر من يسقيها.
المصدر عبد الحافظ معجب
زيارة جميع مقالات: عبد الحافظ معجب