عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
هناك علاقة جدلية قائمة، بين السلطة والمعارضة، في العمل السياسي، ونظام الحكم، والعلاقة مع المجتمع بجميع مكوناته، وهذا أمر طبيعي في أي دولة داخل هذا الكوكب، إذ يحتاج كل مجتمع، أياً كان نوعه ودرجة تطوره إلى سلطة تقوم بقيادته، وإدارة شؤونه، وبما أن السلطة السياسية ترتكز على وجود طرفين هما الحاكم والمحكوم، فالسلطة كقوة قائمة بذاتها وكعلاقة مجتمعية لا يمكن تصورها خارج المجتمع.
ابن خلدون اعتبر أن السلطة تنبع من العصبية المجتمعية، فهي علاقة أمر وطاعة وهي حكماً قائمة في بنية المجتمع نفسه، ومن ناحية ثانية تعتبر السلطة ظاهرة مجتمعية، ينظم خلالها وبواسطتها أعضاء مجتمع معين مواقفهم حول غايات وأهداف مجتمعهم، بمعنى أن السلطة قوة مجتمعية نابعة من تكوين المجتمع نفسه، تحرك طموحات الجماهير وأفعال القائد، وهذا لا يعني أن السلطة تقرر دائماً ما يريده المجتمع إنما يعني أنّ أفراد المجتمع يشعرون دائماً بوجود سلطة تنظم مجتمعهم، لأنه في غياب السلطة والنظام تبقى الجماعة مجرد تجمع معرض للزوال، وأن مجتمع اللاسلطة هو مجتمع الفوضى، الذي تتعدد فيه أهواء واتجاهات أفراد المجتمع وتتضارب مصالحهم وتختلف توجهاتهم السياسية والنفسية.
وهذا يقودنا الى فكرة المعارضة الوطنية وتبلورها سواء على شكل أشخاص مستقلين أو أحزاب ومنظمات مجتمع مدني، وعادة ما يقترن مصطلح المعارضة بالأحزاب السياسية أو أي مجموعات أخرى تعارض الحكومة، ومن المعلوم أن أول دوافع ظهور المعارضة يكمن في حدوث التناقض بين الحاكمين والمحكومين، أو بين الفائزين بالسلطة وبين الخاسرين، مما يدفع مجموعات تتفق في ما بينها على منظومة عمل تطرح بدائل للمشروع الحكومي تتضمن اتجاهات ومقترحات إصلاحية، ينتهي بها المطاف بحالة من الصراع الذي تبغي من ورائه الوصول إلى السلطة مهما كانت عناوينها أو شعاراتها المرحلية.
ومن بديهيات السياسة أن فشل السلطة والمعارضة يدفع الشعب الى التوجه نحو الثورة في إطار الحراك الشعبي الرافض للفساد وأدواته، ويهدف لتسليم السلطة لأصحاب الكفاءات والنزاهة من أبناء الشعب وما أكثرهم، لأن الثورة لا تهدف لاستيلاء القائمين بها على السلطة «بأشخاصهم»، إنما إنقاذ البلاد، وإعادة السلطة الى الشعب مالكها الحقيقي، ولا يفكر الشعب بالمعارضة لأنها تتحرك بأوامر محركيها، ولها برامجها التي لا تخرج عن خطوطها العريضة، والشعب يتحرك بعفوية الثورة، وفطرتها، وبرنامجها هو ما تمليه عليها القيادة وفق مستجدات كل مرحلة، من السلمية، والتسليح، وغيره، كما أن المعارضة تتطلب شروطاً في الانتساب إليها، يحددها نظامها الداخلي، فيما الثورة لا تشترط أياً من هذه الشروط، وبابها مفتوح لكل حر، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، فقراء وأغنياء، متعلمين وأميين، وغالباً ما تنتهي المعارضة إذا تمت تصفية رموزها وقادتها، والثورة تزداد اشتعالاً كلما تقدم أبطالها إلى الميدان، وقدموا أرواحهم مشعلاً على درب الخلاص.
في اليمن كل المصطلحات والتعريفات السياسية المتعلقة بالسلطة والمعارضة «مضروبة»، لأن الجميع يقدم نفسه معارضة وفي الوقت ذاته الجميع سلطة، مثلاً عندما كان الحزب الواحد يحكم البلاد خلال فترة حكم آل «عفاش» كان حزب الإصلاح «الإخوان» شريكا بالسلطة من خلال رموزه القبلية والعسكرية مثل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وعلي محسن الأحمر، ولكن الإصلاح كان يقدم نفسه لجمهوره وأتباعه كحزب معارض، أتذكر في آخر انتخابات رئاسية ومحلية في العام 2006 في إحدى الدوائر الانتخابية بمحافظة عمران أدلى الناخبون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح المعارضة فيصل بن شملان، وفي نفس الدائرة ونفس الوقت أدلى الناخبون أنفسهم بأصواتهم لصالح مرشحي الحزب الحاكم للمجالس المحلية، كجزء من صفقة سياسية تجارية.
بعد اتفاق الوحدة اليمنية في العام 1990 يفترض أن الحزبين الأكبر في دولة ما بعد الوحدة «المؤتمر والاشتراكي» كانا الحزبين الحاكمين، غير أن الواقع كان يقول إن المؤتمر والإخوان «الإصلاح» هما قطبا الحكم وتحول شريك الوحدة «الاشتراكي» الى خانة المعارضة وانتهى الأمر بحرب صيف 1994 وما نجم عنها من اجتياح ونهب حزب الإصلاح لمقرات وممتلكات الحزب الاشتراكي وقياداته في عدن.
خلال ثورة العام 2011 دخل الإخوان مع أحزاب اللقاء المشترك الى الثورة الشبابية بدعوى حماية شباب الثورة من بطش سلطة «عفاش»، ولكنهم بلمح البصر ركبوا موجة الثورة وصادروها ليصبحوا هم الثورة والسلطة والحزب الحاكم، وطردوا شباب الثورة الحقيقيين من الساحات بعد توقيع المبادرة الخليجية، واستحوذ الإخوان على النصيب الأكبر في السلطة، ما دفع شباب الثورة والمكونات والأحزاب اليسارية والقومية الى إعلان استمرار ثورتهم حتى تحقيق كافة أهدافها.
استمر الحراك الشعبي ضد سلطة الإخوان حتى العام 2014 عندما انضم أنصار الله لهذا الحراك الذي تحول الى ثورة شعبية شاركت فيها القبائل وكل القوى المناهضة لسلطة الإخوان من شمال وجنوب البلاد، وبعد سقوط السلطة القائمة، وفرار قادتها ورموزها وجنرالاتها الى المملكة السعودية، جاء العدوان على اليمن في مارس 2015 لمواجهة ما سمته دول العدوان «انقلاب أنصار الله على السلطة».
تحمل أنصار الله أعباء السلطة ومسؤولياتها في ظل العدوان الظالم والحصار الخانق كسلطة ثورية أشرك فيها الأنصار القوى اليسارية والقومية تحت مظلة اللجنة الثورية العليا بموجب الإعلان الدستوري، حتى أعلن عن تشكيل المجلس السياسي الأعلى في أغسطس 2016 وهو بمثابة هيئة تنفيذية عليا اشترك فيها أنصار الله وحلفاؤهم وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه، حتى أعلن زعيم المؤتمر «عفاش» انقلابه على أنصار الله في ديسمبر 2017 كمعارضة مسلحة انتهت بمصرعه.
تعافت صنعاء من فتنة ديسمبر واستمرت شراكة الأنصار والمؤتمر في السلطة، لكن الملاحظ أن كلا الطرفين يتبرأ من فساد السلطة وتجاوزاتها وأخطائها، وفي كل خطاب سياسي يرمي كل طرف في الحكومة فشله على الآخر وكأنه معارضة وليس سلطة، وكلاهما بعيدان كل البعد عن الثورة وأهدافها.
في الطرف الآخر كانت المملكة السعودية تعيد ترتيب صفوف الفارين من اليمن والمؤيدين للعدوان ومنحتهم صفة «السلطة الشرعية» والمعترف بها دولياً، بالرغم من أنهم لم يكونوا أكثر من تشكيلات ديكورية تحمل مسمى الرئاسة والحكومة، وفي الوقت ذاته عملت الإمارات على تشكيل سلطة مناهضة للسلطة الموجودة في الرياض، تحت مسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، وكل التشكيلات تمارس دور السلطة والمعارضة ضد بعضها، حتى وصل الأمر الى الاقتتال المسلح بين سلطة الحكومة الموالية للرياض وسلطة الانتقالي الموالية لأبوظبي، وأمام المواطن الذي يطالبهم بالخدمات يتحدثون كأنهم معارضة.
ومن عجائب حكومة الفنادق أن لهم مجلسا شكلته الرياض وتديره واشنطن، يطلق عليه مجلس القيادة الرئاسي يشارك فيه الإخوان والمؤتمر والانتقالي ومكونات أخرى يتكون المجلس من رئيس وسبعة أعضاء كل واحد منهم لديه سلطة منفصلة عن الآخر، خلال الاجتماعات الرسمية لهم يتحدثون عبر تطبيقات «زووم» و«سكايب» باعتبارهم الممثل الشرعي والوحيد لليمن وشعبه الواحد الموحد، وبعد انتهاء اجتماعاتهم الإلكترونية يتحرك كل عضو من أعضاء المجلس خارج نطاق الدولة والوحدة، بحسب توجيهات الممول والكفيل، ومن يتابع إعلام الإخوان سيجد أنهم كالعادة يقدمون أنفسهم معارضة، والانتقالي في إعلامه يقدم نفسه معارضة تطالب بتقسيم البلاد، وكل واحد منهم يعيش بكوكب الخيال والمرح لحاله بعيداً عن المواطن وحاجته للخدمات الأساسية والضرورية.
أما في صنعاء التي تعيش فيها السلطة دور المعارضة، لا يوجد معارضة حقيقية، لأن كل الأحزاب السياسية والشركاء والحلفاء لديهم تمثيل في الحكومة أو السلطات التنفيذية بالمحافظات، والشعب الذي ينتقد الأخطاء والسلبيات والفساد يمارس دوره بقوة لأنه لا يمثل دور المعارضة وإنما دوراً ثورياً.
الشعب الثائر والمتمسك بقيادة «أبو جبريل» يدرك أن المعارضة تسعى للوصول الى السلطة، وقد ترضى بالحصول على مقاعد هنا أو هناك دون إصلاحات حقيقية، لذلك يرى أن تسليمه وتفويضه لقائد الثورة يجعله في جاهزية وحالة طوارئ لمواجهة كل اعوجاج في السلطة، ومهمته الحفاظ على مكتسبات الثورة وعدم السماح للسلطة بالعودة الى سلبيات وتجاوزات ما قبل الثورة.

أترك تعليقاً

التعليقات