في موعده تماماً
 

ذي يزن المقطري

في موعده تماماً
الإسلام أيديولوجيا إنسانية اليوم 
المضطهدة لا ديانة الصحراء التاريخية
ذي يزن المقطري / لا ميديا -

قبل أكثر من 1400 عام جاء محمد (ص) بالديانة الإسلامية كامتداد للديانات الإبراهيمية القديمة واستكمالاً لمهامها المقدسة، حرية الإنسانية وانعتاقها من جور الطاغوت وتحريرها من أغلال الجهل وتخليصها من شقاء العبودية للظالمين المستكبرين، "فإما يأتينكما مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى"، ضلال العقل وشقاء العبودية والفقر والقهر.
جاء محمد (ص) يحمل سيف الله ليضعه مرة أخرى في كف المستضعفين نصلاً من النور والمعرفة التي تحرر العقل من ربقة الأفكار الظلامية التي حجبت العقول واستعبدت الأرواح.
فلماذا لم تنعتق الإنسانية، فضلاً عن العرب؟ ولماذا لم ينتصر المستضعفون في معركتهم مع المستكبرين، بل ازداد الطغيان طغياناً، وتمكن الطاغوت من قلوب البشرية وروحها، فمسخ الإيمان واستعبدت البشرية بطرق أشد شيطانية ومكراً، حتى صارت البشرية تقدس عبوديتها وتمجد آسريها، ومن يتسببون بشقائها، ونسيت هويتها وحقها في الكرامة والنور والعقلانية والرخاء والعدل.
الإسلام يناهز من عمره 1400 من الأعوام، ولم يتحقق حكم الله الذي يغمر الأرض عدلاً بعد أن دك عروش الطاغوت والضلال، بل صار الأمر أكثر فداحة هو اليوم مقارنة بإنسان ما قبل الألف وأربعمائة عام، إنسان اليوم يجهل عدوه ويجهل نفسه، يجهل معركته ويجهل حقه، فبعد محمد (ص) من أين له بالنور الذي يضيء ظلمات طريق الألم الذي يعانيه في حالكات شقائه وبؤسه؟ ومن أين له بالمعرفة الحقيقية التي تحرر عقله من ربقة الجهل؟ ومن أين له بالقوة التي ترشده نحو تنظيم صفوفه وتكريس قواه لخوض معركة انعتاقه؟ من أين له طريق يصل روحه بالألوهية بعد أن عمدت قوى الظلام والطغيان إلى تسميم روحه وتغريبها عن امتدادها بالروح الإلهية التي هي مصدر كل قوة ونور؟
بمهمة بهذا الحجم أتى محمد، تحرير الإنسانية، وإقامة حكم الله العادل على الأرض، مهمة ثقيلة بلا شك يحتاج محمد (ص) الى أمة لها من النضج والوعي ما يكفي لتفهمها وحملها، ولم تكن إذاك قد وجدت بعد، بل احتاج محمد للكثير من الأجيال التي ستخوض كل أنواع الصراع والتضحيات التي ستجذر الأفكار أشجاراً من السنديان مروية بالدماء الزكية طيلة تاريخ طويل من صراع ينضج الوعي بالتجربة تهييئاً لمعركة البشرية الكبرى التي لم تكن حينها قد آنت بعد.
....
البشرية منذ آلاف السنين لم تعرف عبودية كعبودية اليوم، ولا شقاءً وظلمة، ولم يكن الاستكبار والطاغوت بالقوة التي هو عليها اليوم، والإمكانات الهائلة التي يمتلكها، ولم يكن بالتوحد والتنظيم كما هو حاله مستوياً على عرش طغيان هذا العصر.
لأول مرة تغرق البشرية في كل هذه البحار من الدماء، وهذه العتمة الكثيفة لم تعرف مثلها قبلاً، حيث صارت قوى الطاغوت أكثر نفاذاً نحو كل حصون الإنسانية التي سلب منها حتى شعورها بالخطر وبغريزة الدفاع عن الذات، بل جعلتها تتلذذ بجهلها وعذابها وتمجد مضطهديها، وتجعل لظلامها وعبوديتها أعلاماً وأعياداً وقرابين وأضحيات.
 لقد خسرت الإنسانية آخر ميادين معاركها وساحات إنسانيتها منذ عقود من الزمن، إنها ساحات قلوبها وعقولها، وصارت قلاع الظلمة وعروش الاستكبار قائمة في هذه القلوب وهذه العقول، حقيقة لا مجازاً، فإن كانت الإنسانية تريد إسقاط عروش الظلم، أين تجدها؟ في أي العواصم؟ 
يختفي اليوم هذا المركز الإمبريالي عن أن يكون ملموساً ومتجسداً كحكومة ودولة، حتى لكأنه بات غير موجود في عالم الواقع سوى أصوات أنين الأضلاع المحطمة والأمهات الثكالى ونزيف الأطفال إثر مرور خطواته الخفية التي صارت أكثر التباساً وزئبقية، فصار الفقير هو من يضطهد أخاه الفقير، وينزف الإخوة بأيدي بعضهم، كأن قلوبهم مملوكة لغيرهم، وكأن عقولهم خيوط دمى في أيدي الإمبريالية الخفية. حقاً، إذن، لقد قامت حكومة الظالمين وعروشهم في قلوب الإنسانية وعقولها قبل أن تقوم في العواصم التي تحترق الآن وستحترق حتى آخر العواصم. 
إن عصر الظلم الحالي هو العصر الذي استطاع فيه أن يذيب الحدود القومية ليتجاوز العواصم، ومن ثم ليجعل من حكومته ظلاً يستمد قواه من نزعات الجشع البشري ونوبات الفزع والخوف التي عمد الى تغذيتها ليلاً ونهاراً دون توقف، من خلال تحطيم كل ما يستند إليه الإنسان من دعائم الثقة والإيمان والقوة والقيم والمحبة والإنتاج المستقل، ليسلخه بذلك عن حقيقته، فيجعل منه كائناً جشعاً جباناً وأنانياً ممتلئاً بالضعف والجهل، متضائلاً الى الحجم الذي يناسب أرباب الشركات التجارية كمستهلك لا تتوقف شهيته، ولا ينتهي قلقه وجشعه، ولا حد لجهله، جاعلين منه مصدر طاقة بقائهم كمصدر أساسي في تحريك الثروة نحو صهاريج ثرواتهم، مراكمين مزيداً من القوة عبر الحث لا الإنتاج وتخليق الحاجات والرغبات، لا تلبية الاحتياج وتعزيز الإنتاج.
إنه واقع لا مجاز، لقد صار لعروش الظلمة كل هذه السطوة وهذه الحكومة في قلوب البشر وعقولهم قبل عواصمهم، وأية أيديولوجيا قادرة على المواجهة سوى تلك التي احتاجت أن يتم تخصيبها في باطن أفران الصراع والدماء والسجون والآلام والفجائع والتضحيات طيلة 1400 عام، تؤمن بقيادة واحدة عابرة للأجيال (سلالة محمد)، تتناقل العهد والتابوت جيلاً بعد جيل، تهييئاً لقيادة الأمة التي سيكتمل نضجها في الوقت المناسب تماماً، حيث أرادت كلمة الله إلا أن يتم نورها ولو كره الظالمون.
وها نحن اليوم نشهد اقتراباً لهذا الاكتمال، كأنما قوسان من الظلام والنور يكادان يلتقيان، حيث الظلم يعد صفوفه عالمياً نحو مهمته الأخيرة في بسط ظلمته، ومن جهة نرى أبناء محمد يقودون الأمة نحو الوحدة، ويصفون جيوشاً من المستضعفين يخوضون معركة القلب والعقل قبل معركة المدن، تهييئاً للقيامة المقدسة التي وعد الله أن يمكن فيها عباده الذين استضعفوا ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين.
لم يتأخر الإسلام عن موعده، إنه تماماً في نقطة الصراع كما ينبغي، ممتلئاً بالتجربة وبالنضج الكافي لأن يكون سيفاً وترساً بيد إنسانية اليوم المقهورة والمضطهدة، وعداً من الله للمستضعفين ومن سيقاتل أن جنده هم الغالبون، وأن كلمته هي العليا، وأن نصر الله قريب. 

أترك تعليقاً

التعليقات