خلافة الزنداني وداعش في صنعاء
 

عبد الحافظ معجب

عبد الحافظ معجب / لا ميديا -
عندما استحوذ الإخوان المسلمين على ثورة 2011 في اليمن، صعد الشيخ عبدالمجيد الزنداني على منصة ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، ليعلن أمام المحتشدين «الجياع» أن زمن الخلافة قادم في العام 2020. واستشهد الزنداني في خطابه الشهير بما سمّاها تقارير سياسية وتقارير للأرصاد وتقارير شرعية، أن عصر الخلافة الإسلامية قادم لا محالة. وذكر الزنداني أن مجلس الأمن القومي الأمريكي، في آخر تقاريره التي قدمها إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بشر بأن العام 2025 سوف يعلن المسلمون قيام الخلافة، وأن نائب رئيس مجلس الدوما (البرلمان الرُّوسي)، في كتاب له عن صراع الحضارات*، يقول فيه إن العام 2020 سيشهد العالم قيام حضارة جديدة، تمتد مِن الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، واسم هذه الحضارة الخلافة الإسلامية!
هل كان الزنداني حينها يؤمن بما يقوله الساسة في دول الكفر والطاغوت من الأمريكان والروس؟! أم أنه كان يتلقى الإشارات الأمريكية «الأوبامية» حينها بتمكين الإخوان من الحكم في تونس ومصر واليمن وسورية لخدمة السياسة الأمريكية في المنطقة؟! فقد كشف تقرير صدر في واشنطن عن مخطط أمريكي بدأ عام 2010 لتغيير الأنظمة في بعض الدول العربية وتمكين حركة الإخوان المسلمين بحسب ما صادق عليه أوباما. وبحسب التقرير، الصادر عن مجموعة الشرق الاستشارية، فإن وصول الإسلاميين إلى الحكم لم يكن ترجمة لعملية ديمقراطية ولا استجابة لرغبة شعبية، بل هو مخطط صنعته ونفّذته الخارجية الأمريكية ومكاتب المخابرات الغربية؛ لأن دعم جماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي المتحالفة جزء من هذه الخطة الأمريكية التي رأت في طموحات الجماعة وأنصارها ما يتوافق مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. ومن هنا يمكن معرفة إعلان الزنداني عن تنبئه بعودة الخلافة الإسلامية التي تمثل حلماً لحركة الإخوان.
وبعد السقوط المدوي لحركات الإخوان في مصر واليمن وتونس، ذهبت المخابرات الأمريكية لصناعة تنظيم «داعش» لتنفيذ مخططات الغرب في سورية والعراق، بالتعاون مع الوهابية التكفيرية، التي كانت بالأساس النواة الأولى التي اعتمدت عليها الإدارة الأمريكية لصناعة الإخوان المسلمين. ففي خلال عام 1970 استخدمت وكالة الاستخبارات المركزية جماعة الإخوان في مصر بمثابة حاجز، لإحباط التوسع السوفييتي ومنع انتشار ما كانت تطلق عليه الفكر الماركسي بين الجماهير العربية. ونقل موقع «غلوبال ريسيرش» على لسان الكاتب «كريكاي تشينكو» أن تنظيم القاعدة وتنظيم «داعش» الإرهابيين قد تم صناعتهما في الولايات المتحدة الأمريكية، وهما أداة للإرهاب تهدف أمريكا عن طريقهما إلى تقسيم وغزو الشرق الأوسط الغني بالنفط.
مرة أخرى فشلت الإدارة الأمريكية في إيجاد خلافة عنوانها إسلامية وهويتها وهواها أمريكي ينفذ السياسات الخارجية لواشنطن، عندما تصدى الجيش العربي السوري وقوات الحشد الشعبي والمرجعية الدينية في العراق لهذا التنظيم، وانتهت أحلام الخلافة ومسارها التدميري غير المقبول مجتمعياً لانكشاف مخططاته الغربية. ومن الواضح أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومراكزها الاستخباراتية لم تعلن الهزيمة، وعبر إخوان اليمن وبقايا المؤمنين بفكر الوهابية، والمسلمين لتنبؤات الزنداني في قيام الخلافة، تم اختراق صفوف ثورة 21 سبتمبر والدفع بالكثير من الشباب المتطرفين المؤمنين بخلافة الأمريكان الداعشية المتطرفة، لتنفيذ المشروع الفاشل وإعادة إحياء هذه الخلافة برداء الأنصار هذه المرة، من خلال ما نشاهده ونسمع عنه من تصرفات لا تمت للأنصار بصلة، مثل منع الاختلاط ومضايقة الفتيات في شوارع صنعاء، وأذية أصحاب محلات بيع الملابس النسائية، وفــرض قوانيــــن داعشيـــــة على أصحـاب المطاعم تارة، وعلى الجالسين في ضفاف السائلة تــــــــارة أخــــــرى، حتـــى وصل الأمر إلى داخل الحرم الجامعي، كانت بدايته منع احتفالات التخرج ووضع قوانين غير حكومية واشتراطات غير قانونية على الخريجين، ولن تكون نهايته تحديد أيام الدراسة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، بأيام محددة للذكور وأيام محددة للإناث، وكأنّ الحرم الجامعي تحول إلى حمَّام بخار لا يصح فيه الاختلاط والتعري أثناء الاستحمام والتكييس والتلييف!
هذه التصرفات والممارسات التي يُغض عنها الطرف في كل مرة ويُسدل الستار عنها بذريعة أنها تصرفات فردية، يجب أن تتوقف فوراً، قبل أن نصحو ذات يوم لنرى جماعة «الحسبة» في الشوارع، ينفذون الأحكام الشرعية، لأن نفوذهم يكبر كل يوم، ويلقون تشجيعاً من تلاميذ الزنداني والبغدادي الذين رفعوا شعار «الصرخة»، وتلطوا بالمسيرة وتدرجوا في المناصب، وأصبح لهم شأن في حكومة الإنقاذ.
وللتأكيد، لسنا ضد تحصين المجتمع وحمايته من كل الاختراقات اللا أخلاقية، وندرك أننا نتعرض لحرب ثقافية عالمية تهدد حضارتنا وهويتنا؛ ولكن في الوقت ذاته من غير المنطقي أن نسلم رقابنا للدواعش الذين حاربناهم في البيضاء وشبوة، ولاحقنا خلاياهم في صنعاء وصعدة وعمران، ولا بد من تدارك سريع للأمر، تحت سقف القانون والدستور والضوابط العامة التي يرسمها لنا قائد الثورة في خطاباته ومحاضراته، فالتعرض لحياة الناس وفرض القوانين الداعشية على الحياة العامة والخاصة ينافي كل مبادئ ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المجيدة، التي دفع اليمنيون في سبيلها أرواحاً ودماء.

 الكتاب للأمريكي صمويل هنتنجتون، والخطأ من الزنداني لا من الكاتب.

أترك تعليقاً

التعليقات