عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران يوم 28 حزيران/ يونيو يوماً لإجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد، أي بعد مرور حوالي شهر على استشهاد إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية في حادثة سقوط الطائرة، ودعوة الشعب للمشاركة في الانتخابات رسالة واضحة على احترام الجمهورية الإسلامية المحاصرة للاستحقاقات الدستورية وانتظام عمل المؤسسات الوطنية، وهذا بحد ذاته مبدأ من مبادئ صيانة حقوق المواطنين واحترام حقهم في إدارة الدولة.
التزمت طهران بالموعد الذي حددته، وتوجه الناخبون حسب الموعد الى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للبلاد في أجواء ديمقراطية لم نشهدها حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي زوراً وتضليلاً بأنها راعية الديمقراطية، وقد شاهدنا ديمقراطيتها في تبادل الاتهامات خلال المناظرات الانتخابية بين ترامب وبايدن، وسبق أن شاهدها العالم، إبان فوز بايدن، واقتحام مناصري ترامب لمقر الكونجرس، والفوضى التي رافقت تلك الأحداث، وتوجه الأمريكيين نحو اقتناء الأسلحة الشخصية، نتيجة لفقدانهم الأمان الشخصي عقب فوز بايدن ورفض ترامب وأنصاره لنتائج الانتخابات، في ظل ديمقراطية مزيفة تتلاعب بها وسائل الإعلام ومراكز الأموال، وتتحكم بمسارها من داخل غرف سوداء، كي تقوم بتزييف الحقائق وخداع الشعب، وتوجيه القضايا العامة في اتجاه محدد بعد أن يتم إلباسها ثوب الديمقراطية، كما حصل في العديد من الملفات الكبرى التي تم الكشف عنها.
توصف الديمقراطية الغربية عموماً بأنها فاشلة لأنها سمحت بوصول القتلة ومجرمي الحرب إلى سدة الحكم في العديد من الدول عبر الاقتراع السري، الحر والمباشر، والأمثلة كثيرة من هتلر الذي حكم ألمانيا النازية بالانتخابات، وموسوليني الذي وصل إلى السلطة بالانتخابات، ونتنياهو قاتل الأطفال والنساء في فلسطين الذي وصل أيضاً إلى السلطة بالانتخابات، وكذلك الأحزاب اليمينية الشعبوية الغربية التي أوصلت قادة إلى المناصب العليا بواسطة ما يسمونها الديمقراطية، وهي التي وصفها «جان بول سارتر» بأنها «فخ الحمقى» واعتبرها ونستون تشرشل «أسوأ نظام»، لأنها ديمقراطية تعتمد التكييف الاجتماعي للبشر مما أوجد الغالبية الصامتة، شعاراتها «الحرية والمساواة والعدالة» وحقيقتها منح السلطة للشعب غير المخول بممارستها أصلاً، لهذا قال عنها «جان جاك روسو» إن الديمقراطية الحقيقية بمعناها الدقيق لم توجد أبداً ولن توجد أبداً، لأنها في حقيقة الأمر، ديمقراطية هلامية يشن الغرب باسمها الحروب على دول وشعوب المنطقة، ويحاول فرضها على دول أخرى، وهي ليست أكثر من ديمقراطية فاشلة تضج بها الوسائل الإعلامية الغربية وتحاول تعميمها، في وقت يرفضها الكثير من المفكرين الغربيين وعلماء الاجتماع، ومن المستغرب أنه رغم فشل الديمقراطية بنموذجها الغربي، إلا أننا نجد محاولات الغرب لا تتوقف عن نشرها وتعميمها بالترغيب أو الترهيب، وينساق وراءهم الكثير من حمقى النخب العربية.
من واشنطن الى باريس يمكننا مشاهدة ديمقراطية منهارة يصفها عالم الاجتماع «إيمانويل تود» وهو يتحدث عن النموذج الفرنسي، بعدم اتساق الفكر، والتواضع الثقافي، والعدوانية، والحب المرضي للمال، وعدم الاستقرار العاطفي والعائلي، ويقابل هذه السمات برأيه انحسار في الديمقراطية وخلل في التربية وفراغ روحاني وزيادة في فقر الشرائح الشعبية، إن عالم ما بعد الديمقراطية هو عالم تتراجع فيه السياسة لمصلحة الاقتصاد ورأس المال، إنه أيضاً عالم تتقوض فيه الأسس المعرفية للعلوم الاجتماعية، بفعل القوة الناعمة للنظام الجديد، لقد دخلت المجتمعات الغربية بمعظمها عصر الشعبوية ما بعد الديمقراطية، التي أظهرت الانتخابات التي تم تنظيمها في العديد من الدول الأوروبية خلال الأعوام الأخيرة، الوجه الصريح الواضح لها، إذ حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة توسعاً جماهيرياً وصعوداً انتخابياً، واعتبرت الأحزاب العنصرية أن هذا الفوز بداية ما سماه البعض بالديمقراطية غير البرلمانية، وهذا يعني فصل النظام الانتخابي عن القيم الحداثية الغربية.
أما في الجمهورية الإسلامية فلم تتوقف مسيرة الانتخابات منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل أكثر من أربعين عاما الى اليوم، ولم تغير الحرب المفروضة على إيران، والحصار، والعقوبات، والتحولات المختلفة في داخل الإقليم على المستوى الدولي، في هذا المسار الذي اختارته إيران في الاعتماد على الشعب، ما يطلق عليه الديمقراطية الدينية بالمصطلح الحديث، التزمت إيران بالاعتماد على الانتخابات وعلى الرجوع الى مرجعية الناس في اختيار من يمثلهم في المؤسسات التشريعية والمؤسسات الأخرى، ولم يتأثر هذا المسار بأي من التحديات والتحولات سواء الداخلية أو الإقليمية والدولية وهذه مسألة باتت ملازمة لهوية الجمهورية الإسلامية.
لا وجه للمقارنة بين الديمقراطية الأمريكية المزعومة، ونموذج الديمقراطية في الجمهورية الإسلامية التي يرتكز فيها النظام السياسي منذ ثورة 1979 على عدد من المؤسسات الحاكمة المتداخلة على مستوى النفوذ والصلاحيات، وبعض هذه المؤسسات فريدة من نوعها وغير تقليدية في الأنظمة السياسية المعاصرة، لكنها مرتبطة أساسا بطابع الحكم الديني في الدولة، إذ يتميز نموذج «الحكومة الإسلامية» الذي وضعه الإمام الخميني بترجمته من قبل مجلس الخبراء المنتخب من الشعب في اقتراع مباشر سري وحر «وهي آلية ديمقراطية في اختيار نظام الحكم» في دستور الجمهورية الإسلامية الذي وضع الأسس الهيكلية للنظام الإسلامي المرتكز على مؤسسات وهياكل دستورية تتولى إدارة الجمهورية.
نموذج حكم نجح في الجمع بين الأصولية «الدين» والحداثة «الأساليب الديمقراطية» كآليتين لممارسة الحكم، ليتحول إلى نموذج حكم إسلامي مبني على المؤسسات الدستورية المخولة بتنفيذ قواعد الدستور التي يشرف عليها القائد الأعلى للثورة «الولي الفقيه» وهو صمام الأمان لاستمرارية الدولة وتحقيق العدالة وحفظ الحقوق فيها، تتشكل بعض هذه الهيئات والمؤسسات الحاكمة عبر أدوات ديمقراطية من خلال الانتخاب، ومنها مجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء ورئيس الجمهورية، وأخرى عبر التعيين وعن طريق القرعة.
في الجمهورية الإسلامية، نموذج حكم مختلف عن النماذج المشوهة والمزيفة التي صنعها الاستعمار الغربي وعمل على فرضها بالترغيب والترهيب في دول المنطقة وعلى شعوب الأمة الإسلامية، فهو نموذج حكم إسلامي أسقط شيطنة الغرب المستكبر للإسلام وذلك بالتأكيد على أنّ الإسلام هو الأساس لتطبيق العدالة بين الناس والمحافظة على حقوقهم وحماية أفكارهم، ولا يمكن فصله عن نظام الحكم، لأنه عالج كل المواضيع التي تهم المجتمع والفرد، وأثبت هذا النموذج، أنّ أحكام الإسلام قابلة للتطور وفقا للظروف والأزمنة ووفقا لمتطلبات شعوب الأمة وبالتالي هي مرنة وغير قاسية كما يصور الغرب، بل إن أحكام الإسلام تتفق بشكل واضح مع الآليات الديمقراطية، المبنية على الشورى والتعاون وحرية الفكر والانتخاب، والعمل السياسي والإنتاج، وأنّ الإسلام هو دين جامع بأحكامه التي تنظم العبادات والمعاملات، وكثيراً ما اقتبس الحقوقيون من أحكام الإسلام وأنظمته، في معاملاته، وحدوده، وقصاصه وقضائه، وتنظيمه العلاقات بين الدول والشعوب، وقواعد الحرب والسلم، وحقوق الناس.
أثبتت الجمهورية الإسلامية في إيران أنها نموذج مميز ومختلف عن الديمقراطية الوهمية في الغرب وغير مألوف، يراه البعض نظاما سياسيا معقدا وغامضا، بينما يعتبره البعض الآخر نموذجا مميزا نجح في التغلب على الكثير من الصعوبات ومواجهة التحديات وأبرزها الحصار الغربي الظالم، واستطاع أن يصنع دولة قائمة على حكم إسلامي متطور ومعاصر للمتغيرات والظروف داخليا وخارجيا، وقدّمت الجمهورية الإسلامية نموذجا سلساً في التداول للسلطة التنفيذية بالانتخابات الرئاسية التي قدمت 8 رؤساء من توجهات سياسية مختلفة منذ قيام الثورة، كما قدمت نموذجا مثيرا للاهتمام في تجاوز الأزمات والتعقيدات خاصة بعد فقدان رئيس الجمهورية السيد إبراهيم رئيسي ورفاقه، وكيف استنفرت كل المؤسسات الدستورية للمحافظة على استقرار البلاد سياسيا وأمنيا، حرصا على استمرار عمل الدولة، رغم هول الخسارة، وأسفرت الانتخابات التي شارك فيها نحو «24 مليون ناخب» على حصول المرشح الإصلاحي «مسعود بزشكيان» على 10,415,991 صوتاً، فيما حصل المرشح المحافظ «سعيد جليلي» على 9,473,298 صوتا.
وبحسب قانون الانتخابات الرئاسية في إيران، يتمّ إجراء جولة ثانية تقتصر على المرشحَين الحاصلَين على العدد الأعلى من الأصوات، إذا لم يحصل أيّ من المرشحين على أغلبية مطلقة «50+1 من الأصوات» في الجولة الأولى من الانتخابات.

أترك تعليقاً

التعليقات