الحكومة «المحظوظة»
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -

لن تجد حكومة الإنقاذ شعباً أفضل من هذا الشعب «العرطة» الذي تحكمه اليوم، فسنوات العدوان الخمس والسنوات التسع العجاف التي يعيشها منذ ثورة فبراير 2011 أحدثت الكثير من المتغيرات على طريقة تفكير المواطن وجعلته إيجابياً إلى حد كبير جداً، لدرجة أنه أصبح يمارس دور الحكومة في كثير من الأمور، ويصارع ويكابد الحياة من أجل البقاء حراً عزيزاً.
خلال العقود الثلاثة المنصرمة التي سبقت ثورة فبراير كان الشعب اليمني «منمطاً» حسب ما أرادت الحكومات المتعاقبة التي رسمت له الصورة المحددة ليسير عليها وحولته بطريقة غير مباشرة من شعب فاعل إلى مجتمع خامل وفاسد يتعايش مع الفساد والرشوة والمحسوبية ويشارك فيها معتبراً إياها من ضروريات الحياة، كل تلك الأمور محت من ذاكرة المواطن واجباته ومسؤولياته في البناء والتنمية والشراكة الفاعلة مع الدولة لتحقيق حياة أفضل، بعكس نموذج المواطن الذي كان في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.
ففي عهد الحمدي كان المجتمع أشبه بحالته اليوم وكان بدرجة عالية من اليقظة والفاعلية، لأن دور الحاكم مهم جداً والظروف الزمنية أيضاً بما فيها من أزمات تنعكس سلباً أو إيجاباً على طريقة تفكير المجتمع والفرد، الرئيس الحمدي استطاع الاستفادة من هذه اليقظة الشعبية واتجه إلى إنشاء التعاونيات وتفعيل دور المجتمع جنباً إلى جنب مع القطاعين العام والخاص، وكان لذلك أثر إيجابي في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال فترة وجيزة.
اليوم الشعب اليمني وبفضل القيادة الثورية الحكيمة ونتيجة لما تعرض له من العدوان والحصار أثبت مجدداً أنه قادر على أن يكون مجتمعاً فاعلاً، وخير دليل على ذلك العطاء اليومي الذي يقدمه الإنسان اليمني في مختلف الجبهات، ولولا التحرك الشعبي الواسع لكانت صنعاء اليوم إمارة من إمارات «داعش» السعوصهيونية، ولولا فضل دماء اليمنيين ودعمهم للجبهات وصمودهم لما كان هناك حكومة بصنعاء تنعم بالأمن والأمان. ما فعله اليمنيون لم يفعله أي شعب أخر على وجه الأرض، إنه فعلاً «شعب عرطة»، هل سمعتم بشعب يدعم البنك المركزي من مصروفه أو مدخراته؟ هل سمعتم بموظف ملتزم بواجباته ووظيفته وهو لا يقبض مرتباً في آخر الشهر؟ هل سمعتم بشعب يخرج بعد كل غارة تستهدف الجسور والطرقات ليصلحها بيديه وبما يملك من معدات بسيطة جداً؟ هل سمعتم بشعب يخرج جائعاً في التظاهرات والمسيرات بالملايين لتأييد حكومته وقيادته للحفاظ على دولته من الانهيار، ويجدد التأكيد على شرعية هذه الحكومة؟ هل سمعتم بشعب يتبرع بقوت يومه لدعم القوات المسلحة؟ هل سمعتم بشعب يحمل «المعول» ويشق الطريق الوعرة وسط المنحدرات والتضاريس الوعرة والجبال الشاهقة؟
بالمقابل أين هو دور الحكومة؟ ومتى ستمد يدها لهذا الشعب؟ في اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس مهدي المشاط بأمين العاصمة ومحافظي المحافظات، لفت انتباهي أن الرئيس مطلع على تجاوب وتعاون المواطنين في مشاريع البناء والتنمية، وطلب من المسؤولين توفير الآليات والمعدات للمجتمع، وخاطب المشاط المسؤولين بقوله: «باستطاعتك أن تحقق للمجتمع الكثير من الخدمات إذا دفعته إلى المشاركة حتى لو لم يكن هناك إيرادات، وهذا يعتمد على نوعية الكادر والمتابعة الدقيقة»، وشدد على ضرورة أن تكون مشاريع الطرق الريفية مستدامة، بطريقة رصف وتصريف مياه الأمطار، لافتا إلى أهمية اضطلاع الجميع بالمسؤولية وعدم التعذر بالصعوبات والإشكاليات والحرص على إعداد الخطط والبرامج والمتابعة اليومية.
من ريمة إلى وصاب إلى الضالع شاهدت فيديوهات لمبادرات مجتمعية خرجت لشق الطرق التي لم تلتفت لها الدولة والحكومات منذ ثورة 1962، ومع الأسف طلبت منهم حكومة الإنقاذ إيجار المعدات الثقيلة لشق هذه الطرق!
بإمكان المجتمع اليمني أن يشارك وبقوة في المشاريع التنموية، ويتصدى لمشكلات الفقر والأمية والصحة والتعليم، ويرفع مستويات الإنتاج، ومشاريع الاكتفاء الذاتي التي نسمع عنها ونشاهدها كل يوم دليل إضافي على الروحية الإيجابية والرغبة الكبيرة لليمني نحو التحرر الاقتصادي، وذلك لن يتحقق بدون دور رسمي وإعلان التعبئة العامة للشراكة بين الحكومة والمجتمع وجمع الموارد المجتمعية والبشرية مع الطاقات والإمكانات الحكومية المتاحة والإدارة الناجحة، صحيح ومعلوم أن إيرادات الحكومة شحيحة، ولكن شراكتها مع المجتمع والقطاع الخاص، وإن وجدت خطة عمل سيتحقق للشعب والوطن الشيء الكثير. والله المستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات