الفساد والفشل والعدوان
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -

كل مسؤول فاشل في الدولة يرمي بفشله على الفساد، وكل مسؤول فاشل وفاسد يرمي بفشله وفساده على العدوان، والواقع أنه لم يعد مقبولاً بعد اليوم أن يعلق كل هؤلاء فسادهم وفشلهم على العدوان أو حتى الحصار المفروض على بلادنا للعام السادس على التوالي.
لا ننكر أن مواجهة الفساد والفشل بإدارة الدولة معركة أشد من القتال ضد تحالف العدوان، أطرافها متعددة ومتشابكة، وهي أشبه بحرب العصابات، ولكنها معركة تأخرت كثيراً ولا بد من أن تحدث، وكما انتصر الشرفاء الأوفياء في جبهات القتال حتماً سينتصرون في هذه المعركة المصيرية التي ستنهي حقبة طويلة من الفساد والفشل في إدارة البلد مهما كانت الصعوبات والعراقيل ومهما كلف الثمن، عنوان هذه المرحلة بحسب ما رسمه السيد القائد «استمرارية الثورة ومكافحة الفساد والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار وإسقاط الاستبداد السياسي».
مشكلة السياسيين في حكومة الإنقاذ، التي لم تنقذ حتى نفسها، أنهم يشخصون أسباب الفشل ويعجزون عن وضع حد لتلك الأسباب فضلاً عن تقديم الحلول، وعندما يرمون بفشلهم على الفساد لا يعترفون بأنهم جزء من منظومة الفساد وهي حقيقة مؤلمة تعاني منها كثير من الدول الفاشلة، حيث لا يقبل أحد من الفاسدين وهو لايزال في السلطة أن يعترف بأنه خائن ويوهم الجميع بالنزاهة والشرف، لا بل إن بعضهم يدّعي البطولات وينسج في خياله أوهاماً وتخيلات أنه يحارب الفساد ويكافحه، وشماعة العدوان والحصار جاهزة ليعلق عليها ممارساته اليومية وتقصيره بواجباته ومسؤولياته.
تضاف إلى كل هذه «العاهات» التركة الثقيلة التي خلفتها سياسات إفساد المجتمع طيلة العقود الماضية، وبتعاقب الحكومات التي كانت تحمي نفسها بتطبيع الفساد وأنفقت أموالاً طائلة ليتحول الفساد إلى حالة طبيعية وممارسة يومية.
لدرجة أن كل مؤسسات الدولة ومرافقها الخدمية أصبحت بؤراً للإفساد والفساد، وإذا تعين مسؤول نزيه ومحترم -وهم قلة قليلة- لا يستطيع أن يحدث أي فرق والمؤسسة كلها فاسدون، والمجتمع بكله يعيش الفساد ويتعايش معه، وتحولت الرشوة والمحسوبية إلى ثقافة مجتمعية، ونهب المال العام والعبث بمقدرات الدولة وإهدارها شطارة ولها ألف حل وحل وبفواتير ومستندات رسمية.
حتى تلك الخطوة التي لجأ إليها الرئيس المشاط تحت عنوان «خدمة الجمهور» لمواجهة الفساد الموجه إلى المواطن بشكل مباشر لحمايته من مظاهر الاستغلال في المؤسسات الحكومية، لم تؤتِ ثمارها، وزادت من معاناة المواطنين الذين تكدست معاملاتهم في أبواب الوزارات، وتحولت خدمة تلقي الشكاوى في المؤسسات الحكومية إلى أكبر مسخرة، وأنا أقترح على الرئيس المشاط أن «يجرّب» يتصل بنفسه على الأرقام المعلنة لاستقبال الشكاوى ويستمع إلى طريقتهم وأسلوبهم في التعامل مع قضايا المواطنين.
وفي حال اقتنعت الدولة والقيادة أن كل هؤلاء المسؤولين غير جادين في خوض المعركة لمواجهة الفساد، فلا بد من تمكين الإعلام للقيام بدوره الوطني وفرض مستوى عالٍ من الشفافية، حيث يصبح بإمكان أي إعلامي أو صحفي أن يراجع ويدقق في ميزانية الحكومة ومؤسساتها وجداول عملها المالي، بما في ذلك إمكانية حضور الاجتماعات الرسمية واللقاءات الحكومية، ومساءلة أي مسؤول والحصول على كل ما يريد من وثائق، وهذه الإجراءات وعلى مسؤوليتي ستجعل كل مسؤول يفكر ألف مرة، قبل أن يرتكب أية مخالفة أو تجاوز أو حتى إهمال أو تقصير في واجباته، والله المستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات