حزب الله: معركة الحساب المفتوح
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
رغم غاراته المتواصلة على بلدات وقرى الجنوب اللبناني في ما يشبه الهستيريا الانتحارية، إلا أن العدو «الإسرائيلي» لم يحرز أي انتصار، بينما جبهة المقاومة تزداد تماسكاً والبيئة الحاضنة لحزب الله تتوسع في الجغرافيا اللبنانية وإسناد غزة مستمر مهما كانت التضحيات ولا مجال لعودة المستوطنين إلى الشمال.
على مدى عقود تعرض لبنان جزئيا أو كليا لاجتياحات وحروب وعمليات عسكرية إسرائيلية كان هدفها الرئيسي ملاحقة حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية المناهضة للاحتلال «الإسرائيلي» لأراضي فلسطين ولبنان، اليوم وبعد عملية «طوفان الأقصى»، وفي إطار الدور الذي قامت به المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق، تم إخراج القضية الفلسطينية من حالة الركود، وصارت العنوان الأبرز للصراع الإقليمي، فيما يبدو لبنان الأكثر تأثرا داخليا وخارجيا، وخاصة أن قوى دولية وإقليمية فاعلة (أمريكا وإسرائيل) تجد مصلحتها في إشعال هذه الحرب، التي تحقق للعدو الأمريكي وشريكه «الإسرائيلي» هدفين استراتيجيين كبيرين وهما تنفيذ المشروع الأمريكي لـ«الشرق الأوسط» الذي يهدف إلى تفتيت المنطقة إلى كيانات إثنية وطائفية، ويعطي «الدولة اليهودية» شرعية الوجود في هذه الخريطة الجيوسياسية، وضرب المقاومة اللبنانية، مقاومة حزب الله، التي تحولت إلى رقم صعب في هذا الصراع الإقليمي، في خاصرته الرخوة وهي الجبهة الداخلية اللبنانية.

المعارضة تدفع «نتنياهو» إلى فخ
خلال الأسابيع القليلة الماضية ازدادت وتيرة التصعيد «الإسرائيلي» الميداني في لبنان بالتزامن مع تهديدات متكررة وتلويح بالحرب الشاملة، وهي محاولة للتأثير على قرار المقاومة في الاستمرار بالعمليات حتى تحقيق هدف وقف الحرب في قطاع غزة، وفي حال فشلت المحاولة ينتقل العدو إلى تجربة مستوى آخر في الضغط أو طريقة مختلفة في العمل، وفي الوقت ذاته تسعى المعارضة إلى إظهار تمسكها بضرورة إنهاء القتال في غزة والدفع بنتنياهو لفتح حرب مع لبنان لإظهار ضعفه والتحريض ضده، في ظل ما يعانيه جيش العدو من التعب والإرهاق والاستنزاف الذي يدعو إلى إعادة النظر في أي خطوة من شأنها أن تفتح حربًا جديدة مع لبنان، خاصة وأن الكيان خسر الكثير من إمكاناته الاستخباراتية على الحدود الشمالية، وازدادت معاناته مؤخراً من تصاعد التوترات الداخلية، سواء بسبب الاحتجاجات ضد الحكومة أو التهديدات الأمنية المتزايدة من عدة جبهات، وبالتالي تأتي قرارات نتنياهو في سياق محاولاته تعزيز موقفه السياسي وتوجيه الأنظار نحو التهديدات الخارجية لتوحيد الصف الداخلي.

لا عودة لمستوطني الشمال
تكرار الاستهداف للأحياء السكنية المدنية في الضاحية الجنوبية واغتيال القائد الكبير إبراهيم عقيل وقادة آخرين، ومجزرتا البيجر واللاسلكي في لبنان كانت بمثابة كسر لقواعد الاشتباك وتجاوز لقوانين الحرب، ولن تساعد نتنياهو للخروج من الأزمات التي يعانيها سواءً على مستوى الفشل في غزة أو على مستوى الصراع والأزمات الداخلية للكيان عموماً، وإذا كان التوجه هو الضغط على حزب الله للتوقف عن جبهة الإسناد تمهيداً لعودة المستوطنين إلى الشمال الفلسطيني المحتل، فإن الأزمة تتجه نحو التصاعد ولا مجال لعودة مستوطني الشمال في المدى المنظور.

«إعلان حرب إسرائيلية» بدعم أمريكي وأوروبي
منذ حصول عملية الاختراق الأمني على بيروت، أكدت التقارير الواردة وتصريحات العديد من الخبراء والتقنيين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية، على أن هذه العملية هي «إعلان حرب إسرائيلية» بدعم أمريكي وأوروبي على المقاومة وبيئتها وعلى كل لبنان، وهي حصلت عبر اختراق أمني سيبراني «إسرائيلي» كبير أعطى الضوء الأخضر لانطلاق عمليات التفجير في الأجهزة المبرمجة في نفس التوقيت وأينما كانت، وهذا يؤكد على الأقل بشكل مبدئي على أن هذه العملية العدوانية مرت بالعديد من المراحل حتى وصلت لهذه النتيجة التي كشفتها تصريحات مسؤول كبير سابق في جهاز الأمن الداخلي لكيان العدو «الشاباك» الذي أشار إلى أن تفجير أجهزة الاتصال الخاصة بمئات العناصر من حزب الله هو اختراق أمني استخباري غير مسبوق.

جريمة إرهاب دولي
ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤولين أنه تم زرع مادة متفجرة صغيرة الحجم بجانب بطارية كل جهاز، وأن طلب أجهزة الاستدعاء بيجر جاء من شركة غولد أبولو التايوانية مع الأخذ في الاعتبار تصريح وزير الاقتصاد التايواني الذي أشار إلى أنه «لا يوجد سجل للتصدير المباشر إلى لبنان‌ والشركة المصنعة لـ«البيجر» ترجح إدخال تعديل على الأجهزة بعد تصديرها»، أما الشركة فقد أقرت بأن الأجهزة المنفجرة تحمل علامتها التجارية، ولكنها صنعت في أوروبا.
في القانون الدولي يوجد ركنان لاشتراط القصد الجنائي لارتكاب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والجرائم الإرهابية، وهذا ثابت على العدو الصهيوني، أولاً: يجب أن يستهدف الفعل أو الأفعال جماعة وطنية أو عرقية أو عنصرية أو دينية، ثانياً: يجب أن يسعى الفعل أو الأفعال إلى تدمير جميع تلك الجماعة أو جزء منها، ومن هذا المنطلق، فإن تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي يشكل عدوانا إلكترونيا، وهو جريمة إرهاب دولي، وجريمة إبادة وجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب كما تقر المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

رد قاس آت لا محالة
صحيح أن تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي عدوان إلكتروني تقني، ولكنه يشكل جريمة اعتداء إرهابي على لبنان وعلى المدنيين، فالاستهداف كان مباشرا لأشخاص يمارسون حياتهم المدنية العادية وليسوا عسكريين أو في مهام عسكرية أو موجودين في مناطق عسكرية، والمعروف أن الكيان استثمر كل التقنيات الأمريكية والغربية التجسسية والاستخباراتية والتكنولوجيا القاتلة لضرب واستهداف المقاومة، ويشن عدواناً متواصلاً على بلدات وقرى الجنوب اللبناني بما يشبه الهستيريا الانتحارية، وأمام المحصلة النهائية لكل ذلك «السعار المجنون» لم يحرز أي انتصار، وجبهة المقاومة تزداد تماسكاً والبيئة الحاضنة لحزب الله تتوسع في الجغرافيا اللبنانية وإسناد غزة مستمر مهما كانت التضحيات ولا مجال لعودة المستوطنين إلى الشمال وثمة رد قاس آت لا محالة، وسيكون هذه المرة بحسب تأكيد السيد حسن نصر الله «الخبر ما ترون لا ما تسمعون»، وهو ما أكد عليه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن المرحلة الحالية عنوانها «معركة الحساب المفتوح».

أترك تعليقاً

التعليقات