عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
«ما تقلي طول بالك.. هيك أطول شي، متل ما شايفني أطول شي، مشينا عنصايحك طول وطول طول وطول، ماشي وساحبو ورايا كل نهار طويل كتير، عم دعوس عليه، عم بتفركش في صرت». هذه المقوله الكوميدية للفنان الكبير زياد الرحباني، هي لسال حالنا مع كل من يقول: «طوِّلْ بالك» الأمور «بتسبر»، «طوِّلْ بالك» قد احنا في خواتيمها، ولا الأمور سبرت ولا وصلنا لخواتيمها، الفساد يمدد ولا يبالي، والمزريون «يتنطعون» «مطلع ومنزل»، وأصحاب الرأي في السجون أو على وشك الاقتياد إليها، والشعب الثائر يلطم الخد الخد صبراً واحتساباً، بانتظار التغييرات الجذرية، عجل الله فرجها.
لم يخطر ببال أحد أن عقارب الزمن ستعود للوراء وسيشهد يمن 21 أيلول/ سبتمبر، ظلما وتعسفا، وزوار الفجر يعودون لممارسة مهنتهم القبيحة، باقتياد الصحفيين وأصحاب الرأي إلى السجون والمعتقلات، دون ذنب أو جناية، غير جريمة النقد والكتابة وخلس جلود الفاسدين.
لطالما رفعنا أصواتنا في وجه دول العدوان وإعلامه وأبواقها بأن سجون صنعاء خالية من معتقلي الرأي، وأن هامش الحريات السياسية لدينا أكبر بكثير من دول تشهد استقراراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً! لقد كانت صنعاء فعلاً نموذجاً لا مثيل له في استيعاب النقد والمعارضة، وتسعى جاهدة للتصويب والتعديل في حال حدث أي تجاوز للقانون هنا أو هناك. أما اليوم، ماذا عسانا أن نرد على مرتزق رخيص يزايد علينا بتكميم الأفواه واقتياد الناقدين للسجون؟! بماذا نرد على من يسألنا عن قطران والعراسي وآل ياسين؟! أين هم؟! وما هي جريمتهم؟! ومن الجهة التي قامت باختطافهم أو اعتقالهم؟! وهل هي جهة مخولة وفق الدستور والقانون؟! وهل تمت إحالتهم إلى النيابة، أم تم الاكتفاء بدورات ثقافية طويلة وطويلة جداً وإخفائهم دون سبب واضح؟!
أمام كل «تخبيص» للحكومة ومؤسساتها نقول لأنفسنا: «طوِّلْ بالك»، غلط نخرج بلاوينا للعلن، والعدو يتربص بنا، ومخابرات أمريكا تشتغل في أوساطنا، «وكل واحد يروّح إلى فراشه يشتي يرقد ومليون سؤال برأسه يطير النوم من عيونه»، كيف واحد يقدر يرقد وزملاؤه في غياهب السجون؟! وسواءً تكلمنا أو صمتنا فإن هذه الأخبار هي العنوان الرئيسي لنشرات أخبار قنوات العدوان، وتحولت إلى ملف حقوقي في يد المنظمات الدولية للمزايدة بها في أروقة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
لو افترضنا أن حكومة صنعاء قلبها «قوي»، وآخر همها ما تقوله وسائل إعلام العدوان وغير آبهة لملفات حقوق الإنسان أمام المؤسسات الدولية، لأنها تعرف أن الغرب كذاب ومنافق بهذا الملف، وصمته حول ما يجري في غزة أكبر دليل، لكن كيف ستبرر الحكومة أخطاءها وانتهاكاتها للشعب الثائر الذي قدم الشهيد والجريح والأسير من أجل كرامة وسيادة هذا البلد؟! بأي لغة وأي مفردات ستخاطب الحكومة أسر وأهالي وأطفال المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسراً؟!
كيف ستخاطب مقاتلاً في الجبهة يدافع عن الوطن وثورته وكرامته، أنه تم اعتقال شقيقه أو والده أو ولده أو عمه أو خاله تعسفاً دون أي مسوغ قانوني؟! وبماذا سيرد علينا إذا قلنا له: «طوِّلْ بالك»؟!
ممكن الشعب يطول باله أمام هفوة أو غلطة أو تصرف خاطئ لمسؤول حكومي، بانتظار اعتذار المخطئ، أو محاسبته ضمن اللوائح الإدارية والوظيفية؛ لكن أن يتحول الخطأ إلى سياسة علنية يجاهر بها المسؤول في خطابات متلفزة، فهذه سابقة خطيرة ومرحلة متقدمة في التنصل عن مبادئ وقيم الثورة، ولن تبررها قصص «هوليوود»، عن وجود مخطط أمريكي يستخدم الصحفيين وكتاب الرأي لإسقاط الحكومة، التي سقطت بالفعل أمام الشعب والقائد، ولن يجد الأمريكان ودول العدوان من يخدم برامجهم ومخططاتهم أفضل مما تقوم به الحكومة حالياً.
ماذا يريد أعداء اليمن أكثر من أن تتحول الحكومة إلى عدو للشعب، وأجهزة الأمن إلى أجهزة خوف، والسجون إلى مقر للأحرار والثوار، والقضاء إلى مسرح للفوضى؟! ماذا يريدون أكثر من أن يصبح المسؤول مهرجاً «يهرف بما لا يعرف»، ويتحول إلى مسخرة أمام الشعب؟! بماذا يحلم أعداء اليمن أكثر من أن تغرق مؤسسات الدولة بالفساد، ويموت الشعب من الفقر والجوع والحصار؟! ويمكن أخذ العبرة من منظمة التحرير الفلسطينية التي تحولت من رأس حربة في جبهات المقاومة والتحرير داخل الأراضي الفلسطينية وفي لبنان ومعسكراتها في أغلب الدول العربية، إلى «بودي جارد» لحماية العدو «الإسرائيلي» في الضفة الغربية، وكيف أوصلتها الأموال الخليجية والدعم الخارجي والسلطة الفارغة إلى هذا الحال؟!

أترك تعليقاً

التعليقات