محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
لكل ثورة قصتها، ولكل حدث عظيم حكاياته وامتداداته وانعكاساته على الواقع. جاءت الثورة الإيرانية مثل غيرها من الثورات نتيجة تراكمات أخطاء النظام وتوسع المتضررين منه، والتفاف شعبي حول قيادة ارتأت أن اللحظة هي الأنسب لتغيير النظام، واستبداله بنظام محدث بقيم مناقضة لما سبق.
إيران لعبت دوراً كبيراً لصالح الولايات المتحدة ذات عقود في ألفية سابقة في عهد الشاه محمد. راكم ذلك الدور الوضيع لذلك النظام أخطاءه واستعلاءه، فكانت نهاية السبعينيات هي اللحظة المناسبة للانفجار لتغيير نظام الشاه ولتولد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأهداف وأساليب مختلفة، ورؤى مناقضة لما سبق.
ومنذ البدايات الأولى شكلت تحدياً واضحاً للسياسة الأمريكية والأنظمة المسايرة خضوعاً وذلاً للغرب، فتم إقحامها في حرب ثماني سنوات مع العراق، الذي كان وراءه تحالف خليجي أمريكي أوروبي، بهدف دفن تلك الثورة قبل أن تشعل المنطقة تغييراً وتربك السياسات الغربية.
ذهبت السنوات الثماني، وذهب نظام العراق نتيجة أخطاء ذلك التحالف الذي لم يكن واضح المعالم، وبقيت الثورة الإيرانية أكثر صلابة وشكيمة، وأوضح هدفاً. فهل كان المحللون على حق حين تنبؤوا بأن هذه الثورة ستغير تاريخ المنطقة؟ يقول محمد حسنين هيكل في كتابه «مدافع آيات الله»: «تم استدعائي قبل أيام من قيام الثورة إلى باريس لإجراء مقابلة مع الإمام الخميني. وذهبت، فإذا بي في مكان وسيع له باب خرج منه الخميني بمشيته وهو يندفع بكامل جسده للأمام فخلته رصاصة انطلقت من القرن السابع لتستقر في قلب القرن العشرين. حينها كان واضحا لي أن هذه الثورة ستغير تاريخ المنطقة».
فهل حقاً أنها غيرت تاريخ المنطقة؟ ولكي ندرك ذلك علينا أن نسبر أغوار السياسات التي كانت المنطقة تسير باتجاهها قبل الثورة الإيرانية. في نهاية السبعينيات كان نظام السادات في مصر قد رفع الراية البيضاء استسلاماً للأمريكيين، وكانت كل الأنظمة الفاعلة في المنطقة تعمل ضمن السقف الذي تحدده لها أمريكا. كان نظام الشاه كغيره من الأنظمة في المنطقة يعمل كشرطي لصالح النظام الغربي، مثل السادات والنظام التركي. وكانت «إسرائيل» في أوج زهوها بانتصاراتها، وتصدر أساطير «جيشها الذي لا يُهزم». كانت المنطقة بقضها وقضيضها فريسة سهلة للمخالب الصهيونية، بأسلحة غربية ودعم مادي خليجي، وتعاون مصري تركي إيراني، لتأتي الثورة الإيرانية بلافتة عليها إشارة «قف» في وجه المشروع الغربي، وبأدبيات إسلامية تحمل مقدسات الأمة.
استطاعت بسلميتها أن تكسب إعجاب المراقبين وتوجسهم منها، لاسيما الغربيين، وأكسبتها حرب السنوات الثماني -فيما بعد- خبرات عسكرية وسياسية، فصاغت الفكر المقاوم على نار هادئة، وكونت حركات مقاومة للمشروع الغربي دون الارتماء في المشروع الشرقي للاتحاد السوفييتي (سابقاً) الذي كان يترنح قبل أن يعلن السقوط نهاية الثمانينيات.
لعل أبرز تلك القوى المقاومة حزب الله اللبناني، الذي استطاع بحنكة سياسية، وقوة عسكرية، أن يخرج «إسرائيل» من معظم أراضي لبنان، ليعيد الصوت المقاوم للعرب قدرتهم على الحلم بالتحرر من الهيمنة الغربية. وكان واضحا منذ البدايات الأولى التقارب بين الثورة الاسلامية والنظام السوري بقيادة الأسد، الأب والابن، فصار الهلال الممتد من طهران إلى دمشق إلى بيروت هو بداية التغيير لمسار المنطقة.
حين كان العرب يتخلون كليا عن دعم خيار مقاومة احتلال فلسطين، كانت إيران هي البديل الجاهز لتبني تلك القوى المقاومة، من حماس والجهاد وغيرهما، وتتسارع الأحداث وتتغير أنظمة ليصبح اليمن أحد أضلاع محور المقاومة المناهض للمشروع الغربي، ويصبح الصوت المقاوم بحضوره أكثر وضوحاً، بل وأقدر على أن يسجل انتصاراته المتتابعة، كدليل واضح على نبوءة محمد حسنين هيكل: «حينها كان واضحا لي أن هذه الثورة ستغير تاريخ المنطقة».

أترك تعليقاً

التعليقات