عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
جميل أن نسمع بين وقت وآخر عن تنظيم مهرجان لفاكهة المانجو الوطنية أو العسل أو البن اليمني، أو حتى الزبيب أو اللوز أو الرمان أو الطماطم «البندورة» أو الكوسة أو الخس أو البطيخ، بازارات رائعة لترويج المنتجات الوطنية وتنظيم جيد واحتفالات رائعة ومتنفس جديد للزوار «المتفرجين» والمشترين أيضاً، ولكن كل هذه المهرجات «لحظية» ومؤقتة أو يمكن تسميتها بالموسمية، ويمكنها تسويق المنتجات محلياً ووطنياً لدى شعب محاصر بدون مرتبات ويعاني أزمات اقتصادية جعلته ينسى شكل الفاكهة ويعتبر شراءها من باب الترف وهو لا يجد قيمة الخبز ولا يقوى على تأمين الخبز والماء.
صحيح أن البلاد تعاني حصاراً خانقاً وقيوداً كبيرة على تصدير المنتجات الوطنية إلى دول الجوار والخارج، ولكن في ذات الوقت المستوردون يغرقون السوق المحلية بالمنتجات الخارجية وتحديداً منتجات السعودية والإمارات وحتى البحرين أيضاً! وإذا تركز حديثنا حول التصدير يجب السؤال ماذا لو عقد التجار صفقاتهم بتوريد المنتج المحلي مقابل استيراد المنتج الخارجي؟ كم ستوفر اليمن من العملة الصعبة؟ وكم سننقذ من المزارعين الذين تتعرض محاصيلهم للكساد في نهاية كل موسم بسبب التضخم الاقتصادي والحصار؟
بحسب التقارير الاقتصادية السعودية فإن المملكة صدرت خلال شهر يناير 2024، إلى اليمن منتجات بقيمة 407.8 مليون ريال سعودي، وهو ما يمثل 0.4% من إجمالي صادرات السعودية خلال ذلك الشهر، وشكلت فئة «لدائن ومصنوعاتها ومحضرات أساسها الحبوب أو الدقيق أو النشأ أو الحليب» فئة المنتجات الرئيسية التي صدّرتها السعودية إلى اليمن خلال الشهر الأول من العام 2024، وفي ما يتعلق بالصادرات غير النفطية، فقد بلغت قيمتها 447.9 مليون ريال سعودي، حيث شكّلت «منتجات صناعة الأغذية، مشروبات، وتبغ» فئة المنتجات الرئيسية التي صُدّرت إلى اليمن.
أما في فبراير 2024، فبلغت صادرات السعودية غير النفطية إلى اليمن ما مجموعه 447.9 مليون ريال سعودي، وتمثلت الصادرات غير النفطية الرئيسية في ما يلي: منتجات صناعة الأغذية، مشروبات، وتبغ (108.5 مليون ريال سعودي)، لدائن ومصنوعاتها، مطاط ومصنوعاته (103.8 مليون ريال سعودي)، ومنتجات نباتية (67.0 مليون ريال سعودي).
وفي العام 2023 بلغت قيمة صادرات السعودية إلى اليمن ما يُعادل 5.6 مليار ريال سعودي، وتصدّرت أقسام المنتجات الآتية قائمة الصادرات من حيث القيمة: لدائن ومصنوعاتها (1.2 مليار ريال سعودي)، وقود وزيوت وشموع معدنية (615.0 مليون ريال سعودي)، ومحضرات خضر، فواكه وأثمار (423.5 مليون ريال سعودي).
أمام هذه الأرقام الخيالية لحجم الاستيراد من بلاد العدوان وقرن الشيطان فقط، نتساءل حول حقيقة التصريحات التي يطلقها المسؤلون الحكوميون في صنعاء عن الاكتفاء الذاتي، ودعم القطاع الزراعي، ومهرجانات التسويق المحلية، ليتضح للجميع أن الحكومة لا تجيد سوى «البهرجة» الإعلامية وبيع الوهم للمواطن والمزارع، في ظل غياب تام للخطط الاستراتيجية والمشاريع المستدامة، ودعم الصناعات المحلية وتشجيع المزارعين على توفير احتياجات السوق للحد من الاستيراد.
كثير دول مرت بمثل ما نمر به وربما وصلت إلى مراحل أصعب وأسوأ، ولكنها بالتخطيط والعمل المدروس توصلت إلى حلول يمكن دراستها والاستفادة منها، وعلى سبيل المثال تعتبر كوبا مضرب مَثل لدولة قطعت خلال العقدين الماضيين خطوات كبيرة نحو تطوير أنظمة غذائية أكثر استدامة وسيادة، وتستند هذه التجربة على «ثورة الإيكولوجيا الزراعية»، والتي بدأت بشكل رسمي في أوائل التسعينيات، عندما تسبب سقوط الاتحاد السوفيتي في خسارة مفاجئة في الواردات المدعومة إلى حد كبير، واعتمدت ثورة الإيكولوجيا الزراعية على ثلاثة عناصر مرتبطة ببعضها وهي التخصص العلمي، ومجموعة من الممارسات، وحركة اجتماعية وسياسية، وذهبت كوبا نحو مشروع وطني على مستوى الدولة، لتحويل قطاعها الزراعي إلى نموذج بيئي زراعي كثيف المعرفة، وقليل التوجه نحو التصدير، وأساسه «تضافر معرفة المزارعين التقليدية مع خبرة المجتمع العلمي الكوبي».
ونجح هذا المشروع خلال العام 2014 بتوفير فرص عمل لـ739 امرأة في سبع مقاطعات كوبية، وبحلول عام 2015، وصل هذا العدد إلى 2393 في تسع مقاطعات، الأمر الذي أدى إلى تأمين دخل شهري للمرأة بمتوسط 500 بيزو كوبي «علماً أنّ متوسط الراتب الشهري للعاملين في القطاع الحكومي الكوبي عام 2015 كان بين 500 و600 بيزو»، وهكذا، فإنَّ المرأة من خلال هذا المشروع كانت تؤمّن لأسرتها راتباً إضافياً بدوام كامل، وأظهرت نتائج الأبحاث أن النساء والرجال المشاركين في المشاريع الزراعية ضاعفوا رواتبهم الشهرية، لتصل إلى 1200 بيزو وسطياً.
في إيران الدولة المحاصرة تم تأسيس وزارة الجهاد الزراعي ويطلق عليها بالفارسية «وزارت جهاد كشاورزي» وهي هيئة حكومية إيرانية تأسست في العام 2001 مسؤوليتها الإشراف على الزراعة في إيران، وتتعاقد الوزارة مع عدد من المزارعين المحليين لزراعة الحبوب الاستراتيجية لاسيما القمح، وتضمن لهم شراء محاصيلهم بأسعار مناسبة ومربحة لهم، وتعمل الوزارة على مشروع الزراعة خارج الحدود والذي يتضمن زراعة مليوني هكتار من الأراضي الزراعية خارج الحدود الإيرانية من أجل توفير الأمن الغذائي للبلاد، بمشاركة القطاع الخاص الإيراني وإيرانيي المهجر الذين أسسوا شركات دولية، وحددت الجمهورية الإسلامية، العراق وباكستان وكازاخستان وأرمينيا وطاجيكستان وأوزبكستان وروسيا والدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية، لتكون الأراضي التي تزرع في هذا السياق.
وفي إثيوبيا الخارجة من مربع الصراعات المسلحة تواصل تجارة البن الإثيوبي، نجاحاتها وتحقق عائدات كبيرة ضمن الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة لزيادة الإنتاج خلال السنوات الأخيرة، حيث حققت إثيوبيا عائدات تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار أمريكي من تصدير البن خلال الأشهر الـ11 الأولى من السنة المالية 2021/2022، وتعمل الحكومة على زيادة عائدات تصدير البن، فضلاً عن التغلب على أي عقبات أمام تنفيذ خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي، وتعتبر أهم خمس وجهات لاستيراد البن من إثيوبيا هي ألمانيا والسعودية واليابان وبلجيكا والولايات المتحدة.
أما الهند فتعد حالياً واحدا من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، مدفوعة في المقام الأول بقطاعاتها الخدمية والصناعية والزراعية، فضلاً عن كونها خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، في عام 2022، نما اقتصاد الهند بمعدل 7.2%، ويعود هذا النمو في المقام الأول إلى الطلب القوي على السلع والخدمات في البلاد، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى النشاط الصناعي، وتتمتع البلاد، التي كانت في يوم من الأيام مورداً للشاي والقطن البريطاني، باقتصاد متنوع حيث تأتي غالبية النشاط والنمو من صناعة الخدمات، وتعتبر الهند الآن «طرفاً فاعلاً عالمياً» في عالم الاقتصاد الدولي، حيث أنتجت نحو 18.4 مليون طن من المانجو في العام 2020، ما يعني أكثر من 30% من الإنتاج العالمي، وخصصت أكثر من مليوني فدان من الأراضي لزراعة هذا المحصول الذي يمثل نسبة كبيرة في الصادرات المحلية.
وفي تركيا بلغت قيمة الصادرات من الطماطم خلال الأشهر الستة الأولى من العام المنصرم 326 مليونا و99 ألف دولار، وصدرت تركيا 325 ألفا و241 طنا من الطماطم إلى 48 دولة في فترة يناير -يونيو 2023، بحسب اتحادات المصدرين جنوب شرق الأناضول، وحلت رومانيا في صدارة الدول المستوردة للطماطم التركية بـ60 مليونا و783 ألف دولار، تلتها أوكرانيا بنحو 51 مليون دولار وبولندا بـ38 مليون دولار وألمانيا بـ35 مليون دولار، فيما حلت روسيا بالمرتبة الخامسة بـ29 مليون دولار.
وفي تجارة العسل يقدر حجم سوق العسل الطبيعي بـ11.08 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 14.28 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.20% خلال الفترة المتوقعة (2024-2029)، وتعد الصين وتركيا من الأسواق الرئيسية المنتجة للعسل الطبيعي، في حين تعد ألمانيا واليابان من أكبر المستوردين ويتم الحصول على العسل الصيني من مربي النحل الصغار في منطقة تشينغهاي في الصين.
اليمن بلاد العسل والبن والرمان والمانجو، وخيراتنا الزراعية تشمل كل المنتجات، ولكن أسواقنا تغرق بالعسل الصيني والبن المستورد، والمنتجات المهربة عبر المنافذ الرسمية، ولا يوجد لدى المزارعين خطوط إنتاج للتجفيف أو التعليب، وبالمقابل تتصدر تصريحات المسؤولين نشرات الأخبار وعناوين الصحف عن أهمية المنتج الوطني وجودته، والمزارع المغلوب على أمره يعاني كساد السوق، وجبايات متعددة، بانتظار خطط تسويقية حقيقية وامتيازات وإعفاءات حكومية وتسهيلات للحصول على معدات تحول منتجه الزراعي الموسمي إلى منتج صناعي معلب يباع طوال العام.

أترك تعليقاً

التعليقات