استراتيجية «الضربات الذكية» وتفكيك التحالفات المعادية
- فهد شاكر أبو راس الأحد , 1 يـونـيـو , 2025 الساعة 2:34:45 AM
- 0 تعليقات
فهد شاكر أبوراس / لا ميديا -
لقد برز اليمن كفاعل استراتيجي استثنائي في مواجهة العدوان الصهيوني المجرم على قطاع غزة، حيث جعل اليمن من موقعه الجيوستراتيجي المطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب - الشريان الحيوي للتجارة العالمية سلاحاً فعالاً أعاد من خلاله تشكيل ديناميكيات الصراع.
لم تكن الاستراتيجية اليمنية مجرد رد عسكري تقليدي على جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بل كان مزيجاً مبتكراً من الحروب الهجينة، والضربات الاقتصادية المدروسة والدبلوماسية الواعية، حولت الصراع من مواجهة محلية إلى حرب استنزاف إقليمية أربكت حسابات القوى الكبرى.
المعادلة بدأت بالحصار البحري للكيان الصهيوني، واستهداف السفن المرتبطة به في البحرين الأحمر والعربي بصواريخ باليستية، وفرط صوتية، ومجنحة، وطائرات مسيّرة، يمنية الصنع، أدت إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية للكيان، وفرضت عليه تكاليف إضافية اقتصادية باهظة.
لم تكن تلك الضربات مجرد عمليات عسكرية عابرة، بل كانت أدوات ضغط لتحقيق أهداف إنسانية، إذ ربط اليمن وقف الهجمات بفتح المعابر الإنسانية لقطاع غزة، وحول الصراع إلى قضية عالمية تدفع المجتمع الدولي لتحمل تبعات صمته.
ومع تصاعد العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، توسع الحصار اليمني ليشمل الجانب الجوي، عبر استهداف المطارات الحيوية التابعة للكيان، ما أجبر الكيان على مواجهة اختبار صعب لكفاءة منظوماته الدفاعية المتطورة.
لم تقتصر الضربات اليمنية على تعطيل البنية التحتية العسكرية للكيان، بل امتدت لتهديد قطاعات اقتصادية حيوية كالسياحة والنقل الجوي، ما كشف هشاشة النموذج الأمني «الإسرائيلي» القائم على التفوق التكنولوجي دون حساب لثمن الاستنزاف المتراكم.
وعلى الجبهة الدبلوماسية، تمكن اليمن من تفكيك الروابط الهشة للتحالفات الأمريكية الصهيونية الغربية، حيث كشفت الأزمة الأمريكية «الإسرائيلية»، عقب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن، عن انقسامات حول دعم واشنطن للعمليات العسكرية لـ»تل أبيب» في قطاع غزة، في حين حاولت دول عظمى ونافذة تقديم مبادرات لاحتواء التصعيد اليمني؛ ولكن اليمن ظل يربط أي حل بضمانات ملموسة لوقف العدوان على غزة.
لقد واجهت الاستراتيجية اليمنية تحديات جسيمة، وقدم اليمن التضحيات، وتحمل التبعات، لموقفه الديني والإنساني في إسناد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بدءاً من الضربات المضادة وحتى الحملات الإعلامية التي حاولت تصوير الحصار اليمني على الكيان المحتل كعمل «عشوائي متهور»؛ ولكن النتائج بفضل الله وتأييده أثبتت عكس ذلك، فتحويل الصراع إلى حرب استنزاف متعددة الجبهات تمكن من كسر الحصار غير المباشر على غزة، وكشف زيف الادعاءات الصهيونية بالحصانة الأمنية، ورفع سقف المطالب الدولية بوقف العدوان على غزة. كما أن اليمن نجح في تحويل نضاله من قضية محلية داخلية إلى رمز للصمود العربي والإقليمي، وأعاد إحياء فكرة المقاومة الشاملة التي تربط بين العسكرة والاقتصاد والدبلوماسية.
اليوم، يرسل اليمن إلى الرأي العام العالمي رسالة مفادها أن الحصار البحري والجوي المفروض يمنياً على الكيان المحتل ليس فقط مجرد عمل عسكري، بل هو في الحقيقة إعادة فعلية للتعريف بأساليب المواجهة الجديدة في القرن الواحد والعشرين، بحيث أصبحت الجغرافيا سلاحاً، والإرادة درعاً، والعبقرية التكتيكية قوة مضادة للاحتلال.
وأما للكيان الصهيوني فالدرس واضح: فكلما تعمقت أزماته الداخلية، وارتفعت تكلفة عدوانه، اقترب يوم انكشاف زيف مشروعه الاستعماري وزواله.
لقد أثبت النموذج اليمني فعلاً أن المعارك الكبرى لا تحسم بالعتاد وحده، بل بفن تحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوة، والهزيمة إلى فرصة، والحدود الجغرافية إلى ساحات للمواجهة.
وتلك عبقرية شعب رأى في تحدياته ذراعاً للعدالة، وفي صرخته سلاحاً يهز عروش الطغاة.
المصدر فهد شاكر أبو راس
زيارة جميع مقالات: فهد شاكر أبو راس