مروان ناصح

مروان نــاصـــح / لا ميديا -
الشباب والأحزاب السرية.. رهان الحلم والحقيقة
في "الزمن الجميل"، كان الحلم مشروعًا فرديًا بسيطًا: أن تُكمل دراستك، أن تجد وظيفة، أن تعيش دون أن تُؤذي أو تُؤذى.
لكن بعض الأحلام كانت مكلفة أكثر من غيرها.
أن تحلم بوطن عادل؟
أن تسأل لماذا يُمنع كتاب، أو يُلاحَق رأي؟
أن تحاول أن تقول "لا" في زمن صارت فيه "نعم" واجبًا أخلاقيًا؟
كان ذلك، أحيانًا، كافيًا لأن تصبح مشبوهًا.. لأن يُقال عنك: "من جماعة المعارضة" السرية.

الانتماء المجهول
لم يكن الانتماء إلى حزبٍ سرّي مجرد اختيار، بل كان عبورًا فوق جسر من ضباب، تسير عليه الأرواح كما يسير البدوي على كثبان الرمل: خطوةٌ قد تقوده إلى الواحة، وأخرى قد تبتلعه في هاوية مجهولة.
كل توقيع على استمارة أشبه بغرس بذرة في أرضٍ عاصفة، قد تنبت شجرة حرية، وقد تجف قبل أن ترى الفصول.

الخوف من المراقبة والاعتقال
كانت العيون كالصقور تحوم فوق الرؤوس، تفتش في المقاهي كما يفتش الغيم عن برق، وكان الأهل يرفعون أصواتهم كريحٍ تحذر من العاصفة: "لا تقترب من النار!".
لكن الشباب كانوا يعرفون أن النار، مهما كانت محرقة، أدفأ من ليل الظلم الطويل.
كانوا بحّارةٍ في بحرٍ عاصف، يعلمون أن الموج قد يغرقهم، لكن نداء الشاطئ البعيد أقوى من الرعب.

الحياة تحت الظل
من اختار السرية عاش كمن يمشي بين فصولٍ متناقضة: في النهار ربيعٌ عادي، محاضرات وأصدقاء وضحكات، وفي الليل شتاءٌ موحش، يخبئ فيه صوته كما يخبئ الغيمُ المطر.
يحمل في قلبه سرًا أثقل من الجبال، ويتعلم أن يبتسم في السوق والبيت، بينما الريح في داخله تعوي.
كانوا يعيشون حياة مزدوجة، كأشجارٍ تبدو ثابتة للعيون، لكن جذورها تتصارع تحت الأرض مع الصخور.

التضحية.. والسجن المحتوم
غالبًا ما كان الطريق ينتهي بزنزانة رطبة، كأنها شتاء لا ربيع بعده.
التحقيقات حجارة تتساقط بلا توقف، والوقت يتفتت مثل كثبان تحت مطرٍ لا ينقطع.
لكن صورة الأم كانت كربيعٍ داخلي، تُزهر في القلب كلما اشتد البرد، وصوت الوطن كان كصلاة استسقاء، ليهبط المطر على الجدران الموحلة فيحيي العزيمة.
لقد دفعوا أعمارهم كما تدفع الأشجار أوراقها في الخريف، لكن جذورهم بقيت صامدة، تنتظر موسمًا آخر للحياة.

بين الأمس واليوم:
من الصمت إلى العدالة
كانت الأحزاب السرية مثل كهوفٍ في الجبال، يلجأ إليها الحالمون بالحرية، لكنها ابتلعت كثيرًا من الأصوات، وأبقت ذكراهم مثل صدى في وادٍ مهجور.
واليوم، يبحث الشباب عن عدالة، عن مطرٍ جديد يغسل الغبار عن الذاكرة، ويعيد لتلك الأرواح مكانها في سماء الوطن.

خاتمة
الانتماء لحزب سرّي كان أشبه بزرع بستان في صحراء، رهانًا على غيمٍ قد يأتي.. وقد يتأخر. ومع ذلك، مضوا.
تركوا وراءهم دموعًا كالأنهار، وصبرًا كالجبال، وأملًا يلمع كالنجمة التي لا تنطفئ.
لقد كانوا أصواتًا للمستقبل، وضوءًا في زمنٍ ثقيل،
ورغم الثمن الفادح، ظل هؤلاء الشباب يضيئون الطريق بصبرهم وشجاعتهم، ليكونوا صوتًا لمن لا صوت له، وضوءًا في ظلمات زمن طويل.

أترك تعليقاً

التعليقات