مروان ناصح

مـــــــروان نــاصـــح / لا ميديا -
نافذة على السماء.. الدين والروحانيات في مرحلة المراهقة
في مرحلة يتأرجح فيها القلب بين السؤال والتمرد، بين الخوف والرجاء، يظهر الدين كحبل ذهبي خفيّ يربط المراهق بالمعنى.
لم يكن التديُّن في المراهقة التزاماً صارماً ولا معرفة عميقة، بل كان في بداياته أشبه بالارتجاف أمام سؤال أكبر، والشعور بأن في الكون من يُنصت لارتباك قلبك، دون أن يحاسبك على هذا الارتباك.

أول صلاة بوعي
كنا قد صلّينا كثيراً من قبل، بتلقين الأهل، أو مع الجماعة بتوجيه المعلمين. لكننا في المراهقة بدأنا نصلّي وحدنا؛ لا لأن أحداً طلب منا، بل لأن في القلب شيئاً لا يُقال.
ربما بكينا دون أن نعرف السبب! وربما بحثنا في الصلاة عن راحة لم نجدها في أي مكان آخر!

العلاقة الصامتة مع الله
لم تكن عباداتنا مثالية؛ لكننا بدأنا نُكلّم الخالق العظيم بطريقتنا.
في أول الليل، أو في المدرسة، أو تحت غطاء السرير، كنا نردد أشياء لا يراها أحد. ولعلّ هذا هو لبّ التديُّن الأول: أن تهمس بما في قلبك لمن تثق بأنه يسمعك.

الرهبة الأولى
من الموت والآخرة
في لحظة ما، بدأنا نفكر بالموت. فجأة، صار السؤال حاضراً: "ماذا بعد؟!".
كنا نخاف ونُسرّب الخوف في النكات، أو نغمض أعيننا سريعاً عند المرور قرب مقبرة.
كان هذا الخوف، بطريقة ما، باباً من أبواب الوعي بالله.

الدعاء.. خطاب الذات للخالق
حين تضيق بنا الدنيا، كنا ندعو. ليس بالكلمات الفصيحة، بل بلغة داخلية خافتة.
طلبات صغيرة، مشاعر مبعثرة، أمل لا نعرف من أين جاء. وكان هذا الدعاء نوعاً من الحب، وإن بدا على هيئة رجاء.

التديُّن تجربة.. لا هوية جاهزة
لم نكن نحفظ أسماء المراجع، ولا نُجيد المجادلة، ولم نكن بالضرورة في الصف الأول من الملتزمين؛ لكننا كنا نعيش لحظات إيمانية صافية، لا يشوبها التكلّف.
التديُّن في المراهقة لم يكن "شكلاً"، بل بحثاً صادقاً عن السكينة.

ألفة الأديان وتعايش الأرواح
لم يكن التديُّن في تلك المرحلة جداراً يعزلنا عن الآخرين، بل جسراً يقربنا منهم. ففي المدرسة والحيّ، كان لنا أصدقاء أعزاء مسيحيون؛ بل إخوة الروح، نتشارك معهم اللعب والضحك وأحلام المراهقة.
وكانت المساجد والكنائس جميعاً بيوتاً لله، تتجاور مآذنها مع نواقيسها في وئام طبيعي ساحر، فنشعر أن المقصد واحد: الرحمة والمعنى.

مقارنة مع واقع اليوم
اليوم، يعلو أحياناً خطاب متشدد يسعى لبث الفرقة بين الأديان والطوائف.
إنه خطاب دخيل على مجتمعنا الأليف، غريب عن "الزمن الجميل" الذي عرفنا فيه التعايش أمراً بديهياً.
لهذا فإن استنكارنا لهذا التخلف الفادح ليس مجرد موقف فكري وطني، بل حفاظاً -أيضاً- على أصالة إنسانية لا يليق بنا أن نضيعها.

خاتمة:
في زمن المراهقة، كان الدين هو الشعور الأول بأنك لست وحدك؛ بأن ثمة معنى، وثمة عيناً ترعاك، ورحمةً لا يُغلق لها باب.
لم نكن قد أدركنا كلّ شيء؛ لكننا عرفنا، ولو للحظات، طعم السكون حين نخلو لأنفسنا ونهمس: "يا رب!".

أترك تعليقاً

التعليقات