مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
مكتبات بيع الكتب.. حيث كان البائع قارئاً والزبون صديقاً
في الزمن الجميل، لم تكن مكتبة بيع الكتب مكاناً للتجارة الصامتة، بل كانت أشبه بمقهى ثقافي، دون كراسٍ، ولا قهوة.
كانت مكاناً تُصافح فيه العناوين، ويصافحك صاحبها بابتسامة تُشبه الترحاب في بيتٍ قديم، ولم تكن الكتب معروضة للبيع فحسب، بل كانت تنتظر أن تُحب.

صاحب المكتبة.. قارئ قبل أن يكون بائعاً
كان صاحب المكتبة يعرف عناوين الكتب، ومحتواها، ومؤلفيها، يتحدث عن طه حسين كما لو أنه جاره، وعن نزار قباني كما لو أنه جلس معه ذات أمسية، وحين تسأله عن كتاب، لا يُشير لك به، بل يحدثك عن سحره، وكان يعرف "مزاجك القرائي" مع الوقت، فيقترح عليك ما لا تعرف أنك تحبّه.

العلاقة مع الزبائن..
صداقة لا صفقة
لم تكن العلاقة بين القارئ وبائع الكتب علاقة نقد وبضاعة، بل كانت نوعاً من الرفقة الصامتة، قد يجلس الزبون ساعة يُقلّب الكتب دون شراء، ولا يُزعجه أحد، لأن صاحب المكتبة يعرف أن "القراءة تبدأ بالتصفّح لا بالدفع".

الطلبات الخاصة..
 خدمة من القلب
إذا طلبت منه كتاباً غير متوفر، يسجله في دفتر خاص، ويتصل بالموزعين، ويبحث في المستودعات، وحين يصلك الكتاب، يُقدّمه لك كهدية، لا كسلعة، كأنما يشاركك لحظة انتصار على العجز.

أجواء المكتبة.. صمتٌ
 مشبع برائحة الورق
كانت رائحة الكتب تملأ المكان، رفوفٌ مرتبة، وأخرى فوضوية، لكنها كلها تقودك إلى اكتشاف، وقد تجد كتاباً غير متوقع سقط خلف الرف منذ أعوام، كأن المكتبة نفسها تُخفي كنوزاً تنتظر أن تُكتشف.

كتب المدرسة والقرطاسية.. وجه آخر للمكتبة
في مواسم المدارس، كانت المكتبة ملجأ الأسر، تُجهز الدفاتر، والأقلام، والكتب المدرسية. وكان صاحب المكتبة يُشبه الخال أو العم، يواسي من لا يستطيع الدفع دفعة واحدة، ويُقسّط الثقة على ورقٍ وأحلام.

المقارنة مع هذا الزمن
اليوم، تغلق المكتبات أبوابها واحدة تلو الأخرى، تغلبها التجارة الإلكترونية، ويخفت وهج العلاقة الإنسانية بينها وبين القارئ، وتتحوّل الكتب إلى "سلع مصنّفة" على مواقع لا تعرفك، ولا تهتم بمزاجك، وبات الكتاب "يُوصَل إلى بابك"، لكن لا أحد يفتح لك قلبه معه.

الخاتمة:
مكتبات بيع الكتب في الزمن الجميل، لم تكن مجرد محلات، بل مدناً صغيرة من الحلم والمعرفة. وصاحب المكتبة كان أكثر من بائع، كان صديقاً للكتاب، وحليفاً للقارئ، فهل بقي شيء من تلك الروح؟! أم أن رفوف الكتب الآن تُصفّى، كما تُصفّى الذكريات؟!

أترك تعليقاً

التعليقات