مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
العائد من الخدمة.. ضياع النفس بعد الخروج من المعسكر!
ليس كل خروجٍ يعني التحرّر، فحين يعود الشاب من الخدمة العسكرية، لا يعود كما ذهب: يخرج جسده؛ لكن شيئاً في داخله يبقى هناك، تاركاً وراءه شعوراً غامضاً بالضياع، كأن الزمن انكسر، والهوية تشوّشت، والطريق إلى المستقبل صار بلا إشارات.

الخروج.. بلا احتفال
ينتظر المجند يوم الخروج كأنّه الخلاص؛ لكن ما إن تُرفع عنه البدلة، حتى يبدأ نوع آخر من الحيرة: ماذا أفعل الآن؟! أين كنت؟! أين أصبح الجميع؟!
وكأنّ العالم قد تقدّم خطوة إلى الأمام، إلا هو، ما زال عالقاً في خطوة التهيؤ والانتظار والامتثال.

الشعور بالفراغ..
ما بعد الانضباط
من نظام صارم، وأوامر يومية، ومراقبة مستمرة، ينتقل فجأة إلى فضاء واسع لا يضبطه أحد؛ لكن الحرية المفاجئة ليست راحة، بل قلق، يشعر كأنّ شيئاً انتُزع منه، وأن الزمن لا يدري كيف يبدأ من جديد.

سنوات ضائعة بلا معنى
كثيرون يخرجون من الخدمة وقد أُهملت مهاراتهم، نسوا ما تعلّموه، أو تأخروا عن أقرانهم، ضاعت عليهم فرص دراسية، أو مهنية، أو حتى عاطفية، وصاروا يعيدون ترتيب حياتهم من الصفر؛ لكن الصفر هنا ثقيل، بطيء، قاسٍ...

الوحدة والتهميش
لا أحد يفهم حقيقة ما مرّ به الجندي، فهو لا يحكي كثيراً، والناس لا تسأل كثيراً، فيعيش عزلة داخلية، لا يُفصح عنها، ويخجل أحياناً من قول الحقيقة: كنت هناك، ولم أعد أعرف من أنا!

بين الأمس واليوم
الخدمة العسكرية.. من صناعة الرجال إلى صناعة الفراغ.
في الزمن الأبعد الذي مضى، كانت الخدمة العسكرية تُقدَّم كمرحلة تصقل الرجال، يرجع الجندي منها مرفوع الرأس، حاملاً مهارات وانضباطاً وثقة في النفس، وكانت مؤسسات الدولة تنتظره بوظيفة، أو بامتياز، أو على الأقل باحترام.
أما على أيامنا، فالعائد من الخدمة يشعر كأنه خرج من نفق لا ضوء في آخره، لا يجد من يسأله: ماذا تعلّمت؟ ماذا تحتاج؟ بل يعود إلى مجتمع نسيه، وسوق عمل تجاوزته، فيتحوّل من شابٍ كان يطمح للانطلاق، إلى شابٍ يعيد ترتيب ذاته المحطّمة، في صمتٍ لا يسمعه أحد.

خاتمة:
الخروج من الخدمة العسكرية لا يُعلن نهاية مرحلة فقط، بل يُعرّي جرحاً نفسياً يحتاج إلى تضميد. فالشباب الذين يُزجّون في المعسكرات، يحتاجون بعد العودة إلى تأهيل حقيقي، وإلى اعتراف مجتمعي بأنهم مرّوا بتجربة لم تكن سهلة، وأنهم لا يحتاجون فقط إلى الحرية، بل إلى من يفهم كيف استُنزفت أرواحهم.

أترك تعليقاً

التعليقات