«الزمن الجميل».. هل كان جميلاً حقاً؟! الحلقة 29
- مروان ناصح الأحد , 5 أكـتـوبـر , 2025 الساعة 1:07:59 AM
- 0 تعليقات
مروان ناصح / لا ميديا -
الخطّاط.. حين كان الحرف يُكتب بيد تُشبه قلباً نابضاً
في الزمن الجميل، لم يكن الخط مجرّد وسيلة لنقل الكلام، بل كان فناً، ورسالة، وصوتاً للعين قبل الأذن، وكان الخطّاط سيّداً من سادة الجمال الصامت، يُمسك بالقصبة كما يُمسك العاشق وردته، ويكتب كما يُصلّي؛ بخشوعٍ وتأنٍّ لا يعرفه هذا العصر المسرِع.
الخطّاط.. رسّام الحروف ومهندس الأرواح
لم يكن الخطّاط موظفاً ولا كاتباً عادياً، كان أقرب إلى الفنان الصوفي، يجلس أمام الورقة البيضاء كما لو أنها محراب، يركّز، يتأمل، ثم ينقش الحرف كما ينقش النحّات التمثال. وكان الناس ينبهرون بقدرته على تحويل الكلمات العادية إلى جواهر بصرية.
أدوات الخطّاط.. من عالمٍ آخر
أدواته بسيطة؛ لكنها مهيبة: قصبةٌ مقطوعة الرأس بدقة، محبرةٌ داكنة، أوراقٌ مُنشّاة، ومسطرة خفيّة لا تُرى، وكانت "الورقة الجاهزة" عملاً يستحق التبجيل، لا تُمسّ إلا حين يطمئن الخطّاط أن الحرف سيسكنها كما يليق.
الخط العربي.. وجلال
الاسم المكتوب
الخطّاط كان يكتب اللافتات، الشهادات، الوثائق... لكن أجمل ما يكتبه هو اسم الإنسان! كان الناس يدفعون له ليكتب لهم أسماءهم بخط الثلث أو الديواني، ويعلّقونها في بيوتهم، كأنّ الحرف يُعطيهم مكانة لا تمنحها المناصب ولا المال.
الخطّاط في
المشهد الثقافي
كان الخطاط يشارك في الحياة العامة: يُزيّن المكتبات، المساجد، المحاكم، المعارض... وكانت الخطوط على الجدران تُعلّم الناس قيماً دون أن تخطب فيهم، وكانت لافتات المحلات تُكتب يدوياً، قبل أن يأتي الحاسوب ويقتل الروح بأحرف جامدة لا تُجيد الانحناء.
علاقته بالناس..
احترام يشبه التقديس
كان الناس يقدّرون الخطاط، ويطلبون رأيه في اختيار العبارات، وفي تصميم اللوحات... وكان الصغار يتجمّعون حوله في الأعياد ليروا كيف تتحوّل أسماؤهم إلى زينة. وكان بعض الآباء يحتفظون ببطاقات زفاف كتبها الخطاط؛ كأنها قطع أثرية.
المقارنة مع اليوم
اليوم، حلّت الخطوط الإلكترونية مكانه، وأصبح "الكوبي واللصق" أسرع من يد الإنسان، وغابت الروح عن الحرف، وبات التصميم جاهزاً بضغطة زر؛ لكن من يعرف جمال الخط القديم ما يزال يُفتّش عن بطاقة فيها "حرف عاش.. لا حُشر".
خاتمة:
في الزمن الجميل، كان الخطاط يصنع المعنى بالحبر والنَّفَس، وكان الحرف العربي يبتسم إذا خرج من تحت يده... فهل نعيد الاعتبار لهذا الفن النبيل؟! أم نكتفي بتكديس الخطوط داخل ملفات، بلا أصابع، ولا دَم، ولا أثر؟!
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح