«الزمن الجميل».. هـــل كـــان جميـــلاً حقــاً؟! الحلقة ١٠
- مروان ناصح الجمعة , 5 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 7:58:12 PM
- 0 تعليقات
مروان ناصح / لا ميديا -
حين كانت الأرصفة تتسع للخطى والضحك
في الشارع القديم، لم نكن نمرّ فقط؛ كنا نعيش. كان الشارع في الزمن الجميل أكثر من معبر؛ كان فضاءً مفتوحاً للعلاقات، واللعب، والثرثرة، والمصافحات العفوية... وكانت الأرصفة تتسع للخطى وللحديث والسكوت معاً.
لم تكن السيارات تزاحم الأرواح، ولا كانت العجالة تسرق اللحظات. كان الناس يمشون ليصلوا، لا ليفرّوا من الوقت.
الشارع مكان لقاء.. لا مرور
في ذلك الزمن، كان الصغار يلعبون في منتصف الحي دون خوف، وكان الجيران يعرفون بعضهم بالاسم، وكان صاحب البقالة يعرف نوع الخبز الذي تحبه الأم دون أن تطلبه...
الشارع كان عائلةً ممتدة، والأرصفة كانت مجالس بلا كراسي، والضحكات تُسمع من أول الزقاق إلى آخره، دون أن يشتكي أحد.
لغة النظرات
والنِّكات والعتبات
كان للشارع لغته الخاصة: نظرات عابرة، تحيّات مقتضبة، نِكات تُقال كأنها فُتات الود اليومي، وبعض العتبات كانت محطات انتظار غير مُعلنة، لبوحٍ سريع، أو نصيحة عابرة، أو طلب كوب شاي دون استئذان...
كان للشارع ذاكرة، يعرف من يمرّ كل صباح، ومن تغيّب دون سبب، ومن عاد بعد غياب طويل.
مقاعد من حجر..
وقلوب من تراب طيب
في الزوايا، وعلى أطراف الجدران، كانت توجد مقاعد حجرية يجلس عليها المسنون، يحكون، يراقبون، يبتسمون، وكأنهم يحرسون الزمن من أن يتسرب خلسة.
لم يكن في الشارع كاميرات مراقبة؛ لكن كانت فيه عيون حانية، وأحلام متواضعة، وكرامة تمشي منتعلة الغبار.
أين ذهب الشارع؟!
اليوم، تغير كل شيء. صار الشارع مسطحاً إسمنتياً، تعبره الأقدام بسرعة، وتعبره السيارات أسرع. كثُرَ الغرباء، وقلّ التعارف، واختفت الملامح خلف الزجاج والهواتف، حتى الابتسامات صارت حذرة، وكأنّ كل شيء في الخارج صار "افتراضياً"؛ رغم واقعيته.
الشارع الذي كان صديقاً صار محايداً، وربما مخيفاً أحياناً.
من الزقاق إلى "المول"
في الزمن الجميل، كان الشارع فضاءً عاماً حقاً. أما اليوم، فصارت العلاقات تهاجر إلى المراكز التجارية، إلى "المولات"، حيث الإضاءة مصطنعة، والتعامل مؤقت، والروائح موحدة، والموسيقى تُفرض على الجميع.
كان في الشارع القديم تنوعٌ حيٌّ لا يُكرّر، كل يوم بمفاجآته، وكل زقاق بحكايته، وكل ركنٍ بصاحبه.
خاتمة:
في "الزمن الجميل"، كان الشارع صورةً مكبرة للبيت: واسعاً بما يكفي للثرثرة، حنوناً بما يكفي ليحتمل دمعة طفل، كريماً بما يكفي ليغنيك عن المقاهي المكلفة.
واليوم، حين نمشي فيه، نشعر أننا نعبره لا نسكنه، نسرع فيه لا نبطئ لنسمع صوته. لكنّ ذاكرته لم تُمحَ بعد.
ففي زاوية ما، قد نسمع -فجأة- ضحكة قديمة، أو نرى ظلًّاً يشبهنا حين كنا صغاراً نمشي دون قلق...
في شارعٍ لا يُضيّق صدرنا، بل يفتحه للحياة.
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح