مروان ناصح

مـروان ناصح / لا ميديا -
بائع الجرائد.. حين كان الخبر يُمسك باليد قبل أن يمرّ على الشاشة
في الزمن الجميل، لم يكن الناس يستيقظون على إشعارات الهاتف، بل على صوت خطوات رجلٍ يعرفون أنه يحمل لهم أخبار العالم في رزمة أوراق.
كان بائع الجرائد يجوب الشوارع مع أول خيوط الشمس، يحمل على كتفه الصحف ملفوفة بحبل خشن، وينادي بأسماء الجرائد كما ينادي الباعة إلى ثمار السوق: "الأيام"، "النصر"، "الأخبار!"...

المذيع المتجوّل والمقيم
كان منهم من يجلس في مدخل عمارة أو عند باب مقهى، يفرش صحفه ومجلاته على طاولة خشبية أو رفّ صغير أو على الرصيف.
يتجمع أمامه الزبائن في الصباح لشراء جرائدهم المفضلة قبل الذهاب إلى أعمالهم، وكان منهم من يتجوّل بين المقاهي، يدخل بابتسامة، ويضع الصحف على الطاولات.
يعرف أن بعض القرّاء يفتحون الجريدة من الصفحة الرياضية، وآخرين من المقالات السياسية... ويترك المجلة الأسبوعية لمن ينتظرها كل عدد كما ينتظر رسالة من صديق.

رزمة من الورق والعناوين
رزمة من الصحف والمجلات المجلدة بخيط، حقيبة قماشية أو صندوق خشبي صغير، ودراجة تساعده على التنقل مع "بضاعته" في الشوارع البعيدة. لكن أهم أدواته كان صوته المميّز الذي يخترق ضجيج الشارع أو صمت المقهى.

البائع في المشهد الاجتماعي
كان جزءاً من صباح المدينة، يعرف الزبائن بالاسم، ويحفظ الصحف والمجلات التي يفضلونها.
وكان المقهى بلا جريدة كالفنجان بلا قهوة. أما العمارة التي أمامها بائع جرائد، فكان مدخلها أشبه بصالون صباحي يتبادل فيه الجيران التحايا والأخبار.

ودّ مبني على التكرار
كان حضوره اليومي يجعل منه وجهاً مألوفاً، يهنّئ الناس في الأعياد، ويواسيهم في الأحزان. وبعض الأخبار كانت تنتقل بكلماته قبل أن تُقرأ على الورق، حتى صار بعض الزبائن يصغون لحديثه قبل جريدته.
المقارنة مع اليوم
اليوم، الأخبار تتدفق بلا توقف عبر الهواتف؛ لكنها بلا رائحة حبر، بلا ملمس ورق، بلا انتظار على الرصيف أو على الطاولة.
أما جريدة الأمس فكانت تُطوى وتوضع في جيب المعطف أو تحت الإبط، تحمل معها دفء اللحظة التي وصلت فيها.

خاتمة:
في الزمن الجميل، كان بائع الجرائد جزءاً من إيقاع المدينة، نبضاً صباحياً لا يبدأ اليوم بدونه؛ فهل بقي له مكان في عالم الأخبار الفورية؟! أم أنه رحل هو أيضاً إلى أرشيف الصور بالأبيض والأسود؟!

أترك تعليقاً

التعليقات