مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
المــــلاعـــــب.. وكـــــرة القــدم الساحــــرة
في دفاتر الذاكرة، هناك صفحات لا تُطوى بسهولة؛ لأنها ارتبطت بالعَرَق والركض والفرح والخيبة، بالهتاف والصفير وصدى الأقدام على تراب الملعب...
كانت الرياضة في الزمن الجميل أكثر من محض تسلية، كانت متنفساً، مسرحاً للبطولة، وخيطاً سحرياً يربط القلوب الصغيرة والأحياء بأكملها بحلم مشترك.

البدايات البسيطة
بدأنا في الأزقة الضيقة والساحات الترابية، نحفر خطوط الملعب بعصي صغيرة، أو نضع حجرتين كمرمى.
الكرة لم تكن دائماً حقيقية. أحياناً كانت خرقاً ملفوفة، أو كرة بلاستيكية خفيفة؛ لكن الحماسة كانت ساحرة، تجعل كلاً منا يشعر أنه نجم عالمي، وأن كل مباراة بطولة أولمبية.
كان أصدقاؤنا يركضون معنا، نصرخ ونهتف، ونضحك حين يسقط أحدنا دون قصد، فتصبح الهزيمة مجرد ذكرى مضحكة.

الملاعب الأولى
في المدارس، كانت الملاعب الترابية بسيطة جداً؛ لكنها كانت مسرحاً كبيراً لكل الأحلام.
صرنا نركض بسرعة الريح، نسقط وننهض، ونختبر صداقاتنا في التنافس الشريف.
حين تنطلق الصفارة، يوقف الجميع أنفاسهم للحظة قصيرة، ثم ينطلق الركض والهتاف.
في إحدى المباريات، تذكر الجميع كيف سقطت الكرة في الوحل، وحاول اللاعبون إخراجها بيدٍ وقدم، فاضطر المعلم للضحك قبل إعادة اللعب.

الكرة الشعبية في الأحياء
كرة القدم كانت أكثر الألعاب شعبية، تجمع الفقراء والأغنياء والأثرياء، الكبار والصغار.
لم يكن أحد يسأل عن ماركة الحذاء أو تكلفة الكرة، بل عن المهارة في المراوغة والتسديد.
فِرَق الأحياء تتشكل فجأة، وتهتف الجماعة: "مرِّرْ! سجِّلْ! اركُضْ!..."، ونستعيد ذكريات مباراة انتهت بالتعادل؛ لكنها كانت مفعمة بالضحك والتحدي، فصارت حديث الأحياء أياماً عدة.

حضور المباريات الكبرى
المباريات بين فريق مدينتنا وفرق المدن الأخرى كانت تجربة لا تُنسى.
كنا نتجمع جماعات، نحمل أعلاماً صغيرة وصفارات بسيطة، ونهتف بأصوات ترتجف لها الأرصفة.
أتذكر مباراة انتهت بهدف حاسم في الثواني الأخيرة، فتدفق الجمهور إلى الملعب، وقفز الأطفال على المدرجات لمشاهدة الكرة، واحتفل الكبار على جوانب الملعب وهتفوا بصوت واحد: "نحن الأبطال!"، بينما كانت النساء تصفق بين الصفوف بلهفة الفرح.
وبعد المباراة، كانت الشوارع تتحول إلى موكب احتفالي أو خيبة جماعية، وكأن المدينة بأكملها تتنفس الفرح كرئة واحدة.

الأبطال المحليون
كل حي كان له لاعب أسطوري: من يعرف المراوغة الساحرة، ومن يسدد الكرة بقوة تفاجئ الجميع...
نتذكر لاعباً من حيّنا أحرز هدفاً من منتصف الملعب في مباراة حية، فصفق له الجميع كأنه سجل هدف كأس العالم.
كنا نحفظ أسماءهم، ونردد قصص بطولاتهم، وكانوا بالنسبة لنا أبطالاً معجزين يملكون سحراً خاصاً.
حضورهم في الملعب يكفي لإشعال حماس كل صغير وكبير، وجعلنا نحلم بأن نصبح مثلهم يوماً ما.

الرياضات الأخرى
صحيح أن كرة القدم كانت السيدة؛ لكن الرياضات الأخرى كان لها: سباقات الجري في الساحات، الكرة الطائرة بين الأشجار، السباحة في النهر أيام الصيف...
كل رياضة كانت درساً في الحماس والانضباط؛ لكنها جميعاً تدور تحت ظل كرة القدم التي تخطف القلوب.

الروح الجماعية والذكريات
الرياضة علمتنا معاني أعمق من الفوز والخسارة: الفرح المشترك، الحزن المشترك، وقيمة الفريق وروح الجماعة...

خاتمة:
الرياضة في الزمن الجميل لم تكن مجرد حركة جسد، بل كانت آمالاً تُنعش الروح، وتعلّمنا الانتماء، والتنافس بقلوب بيضاء.
كل مباراة كانت درساً في الحياة، وكل هدف سجّلناه مع الأصدقاء كان فصلاً من حكايات المدينة لا ينسى.

أترك تعليقاً

التعليقات