«الزمن الجميل».. هـــل كـــان جميــــلاً حقـــاً؟! الحلقة ٤٦
- مروان ناصح الأحد , 9 نـوفـمـبـر , 2025 الساعة 11:54:37 PM
- 0 تعليقات

مروان ناصح / لا ميديا -
الموسيقى غذاء الروح في زمن التكوين
في مرحلة تتأرجح فيها المشاعر بين الحلم والقلق، كان للموسيقى دور السحر الخفيّ.
لم تكن مجرد أنغام، بل نافذة أخرى على الذات، تشرع أبواب القلب ليتذوق معنى الجمال.
أول أغنية بوعي
كنا قد سمعنا الأغاني من قبل؛ لكن في المراهقة أصغينا إليها للمرة الأولى بقلبٍ يتهيأ للدهشة.
فجأة، تتحول كلمات المطرب إلى سيرة ذاتية لنا، كأنه يروي حكايتنا نحن: الخفقة الأولى، الحزن الصغير، الحلم البعيد...
لم تكن مجرد أغنية. كانت مرآة تُطلّ منها أرواحنا على ذاتها.
الإذاعة.. نافذة على العالم
في بيوت متواضعة الإضاءة، كان المذياع يتلألأ كنجمة صغيرة في الزاوية.
منه عرفنا الأغنية الأصيلة، وحفظنا أصوات العمالقة.
مع كل بث إذاعي، كان صوت فيروز يوقظ فينا الصباح، وعبد الحليم يغني لقلوبنا الخضراء، وأم كلثوم تمطر علينا شجناً بحجم البحر.
لم تكن الإذاعة مجرد جهاز، بل كانت منبراً تُطلّ منه الموسيقى لتسكب أنغامها في أرواحنا الظمأى.
الفرق الزائرة.. العرس الصغير
وعندما تزور المدينة فرقة موسيقية في احتفال أو مهرجان، كان ذلك حدثاً بحجم العيد.
نلبس أجمل ما عندنا، ونجلس مشدودين إلى الخشبة، حيث تتمايل الآلات تحت الأضواء.
كان العود يتحدث بلغة الدفء، والكمان يئن كقلب عاشق، والناي ينساب كالنسيم بين الحقول. لم تكن حفلة فحسب، بل لحظة تَشعر فيها المدينة كلها أن الروح تملك جناحين.
الموسيقى العالمية..
دهشة اللقاء الأول
ومن خلال برامج إذاعية متخصصة، كانت تصلنا موسيقى أخرى، بعيدة وغامضة: سيمفونيات بيتهوفن، قطع موزارت، وشروح تُقرّب لنا أسرارها.
كنا نصغي وكأننا نطلّ على قارة مجهولة، حيث الآلات تتحدث لغة الكون.
في تلك اللحظات، كنا نكتشف أن الروح لا تعرف الحدود، وأن الجمال أشواق واحدة تُعزف بلغات شتى.
الموسيقى ملاذ
وتربية للذوق
حين يثقلنا السؤال أو يربكنا الفراغ، كانت الموسيقى هي الملاذ. نستمع خلسة تحت الغطاء، أو مع صديق يشاركنا الذوق نفسه، فنشعر أن العالم أقل قسوة وأكثر رحابة.
شيئاً فشيئاً، تعلّمنا أن الأذن تُربّى كما تُربّى الروح، وأن النغمة الأصيلة تُهذّب القلب وتجعله أرقّ، وأقدر على الفرح وأجمل في الحزن.
مقارنة مع واقع اليوم
اليوم، تتسابق الألحان السريعة المتشابهة أمواجاً مضطربة، تملأ الأذن دون أن تترك في القلب أثراً.
بينما كانت الموسيقى في "الزمن الجميل"، تُسمع لا لتُستهلك، بل لتُعاش: رفيقة، معلمة للذوق، وصوتا عميقا يقول إن الإنسان أجمل حين يُنصت ويحلّق.
خاتمة:
في زمن المراهقة، علّمتنا الموسيقى أن الروح حديقة، لا تزهر إلا إذا سقتها الألحان. وأن القلب، مهما كان قلقاً أو مرتبكاً، يهدأ حين ينصت.
لم تكن مجرد أصوات، بل كانت فسحة للروح، وحبلاً خفياً يربطنا بالمعنى والجمال، فنشعر أن الحياة أرحب وأعمق حين نستمع إليها.










المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح