«الزمن الجميل».. هـــل كـــان جميـــلاً حقــاً؟! الحلقة 40
- مروان ناصح الثلاثاء , 28 أكـتـوبـر , 2025 الساعة 1:31:57 AM
- 0 تعليقات

مروان ناصح / لا ميديا -
طفلٌ في هيئة مراهق.. الحنين إلى الطفولة في قلب الزمن المتغير
ما إن تطلّ المراهقة بوجهها المربك، يبدأ المراهق برحلة داخلية لا تشبه أيّ رحلة، رحلة تبدو وكأنها هروب إلى الأمام؛ لكنها في العمق التفاتة إلى الوراء.
ففي زحمة التحوّلات الجسدية والنفسية، يظل الطفل الذي كُنّاه بالأمس واقفاً في الداخل، يلوّح لنا من خلف نافذة الروح، ويقول: "لا تتركني وحدي!".
ضوء دافئ
في الممر الطويل
وسط الحيرة والتوتر والرغبة في الانفلات، كنا نشتاق لأيام البراءة، لضحكة بلا سبب، لدمية مكسورة كانت تسعدنا، لأغنية قديمة كانت الأم ترددها ونحن نغفو...
لم نكن نبوح بذلك؛ لكن ذلك الحنين كان يرافقنا كظلّ ناعم لا يُفارقنا.
ارتباك بين صورتين
ننظر في المرآة فنجد ملامح بدأت تتغيّر، صوتاً بدأ يخشَن، أو خصراً بدأ يتسع، ونشعر بغربة في الجسد.
وبين الصورة الجديدة وصورة الأمس، نقف مترددين: هل نكمل الرحيل، أم نعود لحمل الدمية الخجولة؟!
الألعاب التي لا نجرؤ
على اللعب بها
كنا نمرّ على ألعاب الطفولة مُخفين النظر؛ كأننا نخجل من اشتياقنا.
نفتح دفاتر الرسم القديمة فنبتسم، ثم نغلقها سريعاً.
نسمع صوت جوقة الأطفال في الإذاعة، كنا نحبه، فنرفع الصوت سرّاً، وننصت.
بين الحياء والاعتراف
لم يكن سهلاً أن نقول لأحد: "أشتاق لطفولتي".
كنا نخشى أن يُقال عنا إننا لم ننضج بعد، أو أننا عالقون في الماضي.
لكن الحقيقة أن الحنين لم يكن ضعفاً، بل نوعاً من الوفاء لما كُنّاه، ولما شكلنا جذوره الأولى.
الطفل الذي يحمينا
من القسوة
وسط قسوة العالم الخارجي، كان الطفل في الداخل هو الحارس الأخير لإنسانيتنا.
كلما ضاقت بنا المدرسة، أو احتدّ الأهل، أو قسَت الحياة، رجعنا إليه، نأوي إلى زاوية قديمة في القلب، فيها عطر حليب دافئ، ووسادة قطنية، وحكاية لم تكتمل.
الطفل كجزء من الهوية
كنا نظن أن النضج معناه طيّ صفحة الطفولة. ثم عرفنا لاحقاً أن الإنسان لا يكتمل إلا إذا حمل طفله في داخله.
ذاك الذي كان يركض حافياً، ويضحك بصوتٍ عالٍ، ويخاف من الظلام... هو نفسه الذي يجعلنا نحبّ الحياة رغم كل شيء.
مصالحة مؤجّلة
تمر السنوات، نكبر، ننسى... ثم ذات مساء هادئ نفتح صندوقاً قديماً، فنجد صورة، لعبة، أو ورقة قديمة...
عندها نبتسم ونقول: "كنتُ جميلاً... وبريئاً"، ونُدرك أن المراهق لم يكن يهرب من الطفل، بل يفتّش عنه طوال الوقت.
مراهقو اليوم
في عالم اليوم، لم يعد هناك متّسع كبير للحظات الحنين.
الصور تُحذف، والألعاب تُنسى بسرعة، والطفولة تُستبدل بأيقونات ومؤثرات...
ومع ذلك، يبقى الحنين شعوراً إنسانيّاً لا يُبرمج ولا يُلغى.
كل مراهق، مهما بدا قاسياً أو منغمساً في عالمه، يحمل في داخله طفلاً صغيراً ينتظر لحظة دفء واحدة كي يبتسم من جديد.
خاتمة:
الحنين إلى الطفولة لم يكن تراجعاً، بل خيطاً من ذهب يربطنا بجوهرنا الأول.
وفي زمن المراهقة، حين تختلط الأصوات وتضيع الاتجاهات، يبقى صوت الطفولة همساً نقيّاً يذكّرنا بمن نحن، أين بدأنا، ولماذا لا ينبغي أن ننسى!










المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح