«الزمن الجميل».. هـــل كـــان جميـــلاً حقــاً؟! الحلقة 25
- مروان ناصح الأثنين , 29 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 1:53:46 AM
- 0 تعليقات
مروان نــاصح / لا ميديا -
القارئ.. حين كانت العيون تلتهم الصفحات بشغف لا رياء
في الزمن الجميل، لم يكن القارئ يتفاخر بأنه يقرأ، بل كانت القراءة فعلاً سريّاً عميقاً، يشبه صلاة داخليّة لا يُجهر بها.
وكان يُنظر إلى القارئ لا كـ"نخبة"، بل كـ"رجل يحاول أن يفهم". وكانت المكتبة بيته الثاني، والكتاب صديقه الأول.
القارئ.. ابن الحلم لا ابن الموضة
لم تكن القراءة زينة على طاولة قهوة، ولا عنواناً لبناء صورة افتراضية. كان القارئ يقرأ لأنه يبحث، ولأنه لا يطيق الجهل. كان يشعر بأن في كل كتاب صوتاً خفيّاً يناديه، وكانت صفحات الكتاب تُقلب كما تُقلب الحياة نفسها؛ بحذرٍ وتوق.
طقوس القراءة..
صمت يشبه القداسة
كان القارئ يصنع طقساً خاصّاً لقراءته؛ كوب شاي، زاوية هادئة، دفتر ملاحظات... وقد يقرأ في الحافلة، أو تحت الضوء الخافت؛ لكن الأهم أنه يقرأ كأنه يعيش داخل الكتاب، يضحك حين يضحك السارد، ويغصّ حين يموت البطل.
تعدّد الذوق.. قارئ
لا يُحاصر نفسه
لم يكن قارئ الزمن الجميل حبيس جنس أدبي واحد. يقرأ الرواية، والديوان، والمقالة، والكتاب العلمي... يقرأ نزار قباني، ثم يعود إلى العقاد، ثم يمرّ على ديستويفسكي أو نجيب محفوظ... كان يقرأ القديم والحديث، المحلي والعالمي... لأنه يؤمن أن المعرفة لا تُؤخذ من ضفّة واحدة.
حب لا مصلحة
لم يكن الكتاب يُشترى لتلتقط له "صورة"، بل ليُفتح، ويُشخبط على هامشه، وتُطوى زواياه. كان القارئ يكتب على الصفحات: "رائع!"، أو "أختلف هنا"... فالعلاقة بينه وبين الكتاب كانت حواراً صامتاً وعميقاً.
القراءة الجماعية..
بين الأصدقاء
كان القراء يكوّنون حلقات نقاش تلقائية، يتحدثون في السهرات عن الكتب كما يتحدث غيرهم عن المباريات. وكان بعضهم يقرض الآخر كتاباً ويقول: "ردّه حين تنتهي منه، لا تستعجل". وكان هناك شيء اسمه: ثقة القارئ في قارئ آخر.
المقارنة مع القارئ الحديث
اليوم، تُقرأ الكتب أحياناً من أجل الاقتباس، أو من أجل التصوير والنشر: "أنظروا ماذا أقرأ"! والكثير من القراء باتوا يستهلكون المعرفة كما يُستهلك "التيك توك". لكن في الزمن الجميل، كانت القراءة فعل إنقاذ داخلي، وكان القارئ يعرف أن كتاباً واحداً يمكن أن يُغيّر حياته.
الخاتمة:
في الزمن الجميل، لم يكن القارئ يبحث عن لقب "قارئ". كان يبحث عن الضوء فحسب، يخاف من الجهل، ويُحب أن يحاور العقول التي سبقته، فهل نملك اليوم أن نعود إلى تلك الروح، أم أن القارئ نفسه أصبح نوعاً مهدداً بالانقراض؟!
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح