مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
السياسة بين القناعة والمصلحة.. شبابٌ على مفترق الحزب
حين يتخرج الشاب في الجامعة، يظن أنه يعبر جسرًا من نور، يقوده إلى بستان الغد.
لكن سرعان ما يكتشف أن الطريق ليس مفروشًا بالعلم، بل محاطا بأسوار من الأسئلة الثقيلة: إلى أي حزب تنتمي؟
كأن الوظيفة شجرة لا تثمر إلا إذا سقتها بطاقة حزب السلطة.

الانتماء المفروض..
بطاقة عبور لا قناعة
كثيرون لم يعرفوا السياسة إلا كما يعرف العابر صحراء من بعيد، لكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين أن يغرسوا أسماءهم في أرض حزب السلطة. لا حبًا، بل خشية أن تبتلعهم رياح البطالة.
يحملون الاستمارة كما يحمل المسافر جوازا مزيفًا،ويرددون الشعارات كما يردد العطشان سراب الماء.
إنه انتماء يشبه المطر الصناعي: يبلل الوجوه، ولا يروي الجذور.

الحزب المغضوب عليه..
مراقبة تلاحق الأنفاس
وفي الضفة الأخرى، هناك من سار خلف نجمٍ داخلي، فانتمى لحزبٍ معارض، يحمل في قلبه يقينًا كاليقين بطلوع الفجر.
لكن الدولة وحزبها لم تره حلمًا، بل رأت فيه عاصفة.
أُغلق أمامه باب الوظيفة، وفتح أبواب المعتقلات وتحولت خطواته إلى أثر على الرمل تلاحقه العيون، كأن الانتماء قفصٌ شفاف تراقب فيه حركته وأفكاره.

التناقض بين اللافتة والداخل
في قاعات الحزب تتدلى اللافتات كغيمٍ كثيف، لكن الداخلين يجلسون بقلوب يابسة كالسهوب.
يصفقون بأيديهم، ويسخرون بأرواحهم، يمثلون أدوارًا حفظوها كما يحفظ الممثل نصًا لا يؤمن به.
لقد غدت السياسة مسرحًا من ورق، والشباب ممثلين على خشبة تفتقد الضوء.

جيل بلا طموح سياسي
هكذا ذبلت السياسة كما يذبل غصن بلا ماء.
لم يعد السؤال: ما برنامج الحزب؟ بل: هل يفتح لي باب الرزق؟
صارت الأحزاب مركبا بلا شراع، يحركه هواء المصلحة لا ريح القناعة.
وغدا السياسي موظفًا بيروقراطيًا، يردد التعليمات كما يردد طائر محبوس أغنية القفص.

بين الأمس واليوم.. 
من الحلم إلى التسوية
في زمنٍ بعيد مضى، كان الانتماء نارًا في القلب، وكان الحزب خيمة يجتمع حولها الحالمون، يدفعون ثمن قناعتهم بالشقاء والسجون.
أما اليوم، فالأحزاب كمدن من ملح، تذوب عند أول موجة صاخبة. امتلأت بالمريدين.. وفرغت من المعنى.

خاتمة
حين تفقد السياسة معناها، تصبح كغابة مقطوعة الأشجار، لا ظل فيها ولا هواء.
ويُحاصر الشاب بخيارين: أن يكذب ليبني قاربًا هشًا في بحر المصلحة، أو يظل واقفًا على صخرة الحقيقة، يعرف أن الأمواج ستجلده لكنه يبقى واقفًا.
لهذا، نحن في حاجة إلى أن نعيد للسياسة شرفها، أن تصبح شمسًا تهدي الدروب، لا مجرد مصباح في مكاتب مغلقة.
نريد جيلًا لا يخاف من قول: "أنا مع.. أو ضد"، جيلًا يرى في السياسة نهراً جاريًا لا مستنقعًا راكدًا، وفي الانتماء بذرةً تُنبت وطنًا، لا بطاقةً تُعلق على أبواب الانتفاع.

أترك تعليقاً

التعليقات