«الزمن الجميل».. هـــل كـــان جميـــلاً حقــاً؟! الحلقة 30
- مروان ناصح الثلاثاء , 7 أكـتـوبـر , 2025 الساعة 4:31:54 PM
- 0 تعليقات
مـروان نــاصـــح / لا ميديا -
ساعي البريد.. حين كان للرسالة قلبٌ يمشي على قدميه
في "الزمن الجميل"، لم تكن الرسائل تُفتح بنقرة هاتف، بل كانت تقطع المسافات مطوية في أظرُف تحمل عطر الغائبين. وكان ساعي البريد هو الجسر الذي يربط المدن بالقرى، والقلوب بالقلوب، يمشي بخطوات يعرفها الناس كما يعرفون وجوه أحبّتهم، ويحمل على ظهره حقيبةً أثقلها الشوق أكثر من الأوراق.
ساعي البريد.. رسول الحبر والمشاعر
لم يكن مجرّد موظف يوزّع الرسائل، بل كان شاهداً على أسرار البيوت، وحافظاً لأحلام المهاجرين، يعرف من نظرة العيون أي ظرف يخفي بشارة، وأيها يخبئ خبراً مُرّاً. وكان إذا رأى يداً ترتجف وهو يمدّ الظرف، يبتسم ابتسامة هادئة كأنه يقول: "اصبر، لعلها بشرى!".
حقيبة من جلد الحكايات
حقيبة جلدية متينة، دفتر صغير يسجّل فيه الأسماء والطرقات، ومفتاح دراجته الهوائية التي يعرفها الأطفال من صوت جرسها. وكان جرس الدراجة كفيلاً بأن يخرج أهل الحي إلى الشرفات، ينتظرون نصيبهم من رسائل الغائبين.
الساعي في
المشهد الإنساني
كان جزءاً من نسيج الحياة اليومية، يحيّي الصغار، ويسأل عن الكبار، ويبارك للمقبلين على الزواج. وكان يقرأ بعض الرسائل للمسنين الذين لا يعرفون القراءة، ثم يعيدها إلى ظرفها وكأنها سرّ مقدس لا يجوز إفشاؤه!
احترام محفوف بالثقة
كان الناس يفتحون له قلوبهم قبل أبوابهم، ويودعونه رسائلهم مطمئنين أنها ستصل كما خرجت من قلوبهم. وكان يفرح إذا حمل خبر نجاح، ويحزن إذا سلّم نعياً.
المقارنة مع اليوم
اليوم، الرسائل تصل في ثوانٍ، بلا حقيبة ولا جرس؛ لكنها باردة، بلا خط يد، بلا رائحة ورق، بلا أثر للمسافة. أما ذاك الساعي فكانت الرسالة تمشي معه، تتنفس معه، حتى تصل إلى يد صاحبها وهي ما تزال دافئة بالحنين.
خاتمة:
في الزمن الجميل، كان ساعي البريد أكثر من ناقل رسائل. كان جزءاً من الحكاية، سطراً صغيراً في قصة كل بيت. ولعل كثيرين ممن عاشوا في ذلك الزمن الجميل يتذكرون فيلم "البوسطجي"، الذي أبدع بكتابة قصته ملك القصة القصيرة في ذلك الزمن، يحيى حقي.
لا أمل بالتأكيد لإعادة الاعتبار لهذه المهنة النبيلة، ولا بد لنا -آسفين- من أن نتركها تذوب في أرشيف الصور القديمة، كطابع بريد لم يعد يلتصق بأي ظرف!
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح