«الزمن الجميل».. هـل كـان جميـلاً حقــاً؟! الحلقة 17
- مروان ناصح الأحد , 14 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 12:34:18 AM
- 0 تعليقات
مـروان ناصح / لا ميديا -
الأزياء.. أناقة بلا ماركات وذوق بلا بهرجة
في "الزمن الجميل"، لم تكن الأناقة تعني المال، بل تعني الذوق، التناسق، والنظافة.
كان الزيّ تعبيراً عن احترام الذات، لا عرضاً على جمهور، وكان ارتداء القميص المكوي أو الفستان المهندم أقرب إلى واجب أخلاقي من كونه ترفاً.
خزانة البيت.. كتالوج متجدّد من الاجتهاد
لم تكن خزانة الملابس تعجّ بالخيارات، بل كانت تضمّ الضروري فقط: بضع قمصان، فستاناً للمناسبات، معطفاً واحداً؛ لكن كلّ قطعة كانت تُعامل ككنز.
وكانت الأمّ تعرف كيف "تُجدّد" قطعة قديمة، تضيّقها، تلوّنها، تضيف إليها وردة من قماش آخر، فتبدو وكأنها جديدة؛ دون الحاجة لمحلّات "الماركات".
كان هناك أيضاً مَن يرثون ملابس إخوتهم، أو يفصّلون ما تبقى من قماش الستائر!
لكنّ الفكرة كانت: أن تلبس ما يُعبّر عنك، لا ما يُبهر الناس.
ملامح الذوق الشعبي.. البساطة الكريمة
في الأزمنة الماضية، لم تكن الموضة "تُفرض" من الخارج؛ بل كانت تُستولد من المجتمع نفسه، من بيئته، واحتياجاته.
كان الرجل الأنيق يُعرف من حذائه اللامع، وربطة عنقه المتواضعة. وكانت المرأة الأنيقة هي تلك التي تعرف كيف ترتدي ما يليق بها، لا ما يُعرض في واجهات باريس.
وكان للبائعين في محلات الأقمشة والخياطة دور اجتماعي وجمالي حقيقي، يساعدون الناس على الاختيار، ويقترحون القصّات والألوان، ويتعاملون مع الموضة كمهنة شريفة، لا استعراض أجوف.
المدارس والمناسبات..
زيٌّ كأنه نشيدٌ صامت
كان زيّ المدرسة علامة انضباط لا قمع، وكان له حضور اجتماعي وكرامة خاصة، ويُغسل ويُكوى ويُعتنى به كما يُعتنى بالعلم. أما المناسبات -من الأعراس إلى العزاء- فلكلٍّ منها لباسه، ولكل مقامٍ زيّ، ولكل فئة نبرة ذوق، في توازن بين التقاليد والتفرّد الشخصي.
زمن الحياء.. وزمن الاستعراض
في "الزمن الجميل"، كانت المباهاة باللباس تُعدُّ صبيانية، وكانت المبالغة في الزينة محل نكتة أو انتقاد. أما اليوم فقد صار اللباس أداة استعراض ومنافسة طبقية، وصار "الإنستغرام" مقياس الأناقة، لا الذوق. وبات الكثيرون يشترون ما لا يحتاجون إليه، فقط كي لا يظهروا أقل من غيرهم.
بين الذوق والهوية
الأزياء في الماضي كانت جزءاً من الهوية؛ تدل على الطبقة، المهنة، المنطقة، وحتى المزاج. اللباس كان لغةً اجتماعية صامتة، تفهم من خلالها من أمامك دون أن يسرد لك سيرته. وكان لزيّ الفلاح والموظف والمعلم والطالب ملامح معروفة؛ لكنْ كلّهم يشتركون في فكرة الاحترام، واحترامهم لأنفسهم كان ينعكس على ملابسهم، مهما كانت بسيطة.
خاتمة:
في "الزمن الجميل"، لم يكن اللباس مهرجاناً للعين فحسب، بل كان تعبيراً داخلياً عن الذوق، الاحترام، والهوية. لم تكن الأناقة مرتبطة بالماركات، بل بالأناقة الداخلية، بنظرة الشخص لنفسه، وبقيمة ما يقدّمه قبل أن يلبسه.
ربما لا يمكننا العودة إلى تلك الخزانة؛ لكن يمكننا أن نتعلم منها:
أن نلبس بذوق لا بغرور، وأن نحترم ذواتنا كما نريد من الناس أن يحترمونا.
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح