مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
الجامعة.. حين كانت أول العالم وآخر البراءة
لم تكن الجامعة مجرّد مرحلة دراسية، كانت بوابة لعالم نكتشفه لأول مرة.
كنا نظنها «امتدادًا» للمدرسة، فإذا بها انقطاعًا، وخروجًا، وولادة أخرى لا دليل لها.

قبل البداية.. حيرة الاختيار
اختيار الكلية لم يكن دائمًا قرارًا نابعًا من الرغبة.
كثيرون منّا دخلوا التخصص «الذي يناسب المعدّل»، لا الذي يناسب الحلم.
وكان النقاش في البيت محتدمًا: «الطب مضمون»، «الهندسة مستقبل»، «الآداب؟ وماذا ستفعل بها؟!».
وكنا نساوم بين ما نريد وما يُنتظر منّا، نقرأ دلائل القبول، ونقارن بين الجامعات، ونُراسل الأصدقاء، كأننا نحاول أن نتنبّأ بالمجهول.

يوم التسجيل.. والرهبة الأولى
كان الحرم الجامعي كبيرًا على قلوبنا، نمشي فيه بخطى مرتجفة، نحمل أوراقًا كثيرة، ونجهل أين نذهب بها.
البوابة ضخمة، الإدارات متداخلة، والأسماء على الجدران لا تُشبه شيئًا في الذاكرة. لكننا كنا نبتسم.. لأننا أصبحنا «جامعيين».

أول قاعة.. أول صدفة
الدخول إلى القاعة الأولى يشبه الدخول إلى مسرح لا نعرف أدواره.
نتلفت حولنا.. نبحث عن وجه نعرفه، أو مقعد في الزاوية نلوذ إليه.
وهناك، تبدأ أولى الصداقات، من سؤال عابر: «هل هذه محاضرة د. فلان؟»، أو من ورقة تُمرّر خلسة، أو من ضحكة مشتركة على تعليق الأستاذ.

الحرية.. والخوف منها
في الجامعة، لم يسألنا أحد لماذا تأخرنا، ولا أين غبنا، ولا كيف نلبس.
كانت الحرية واسعة، لكننا لم نكن نعرف كيف نستخدمها دائمًا.
كنا نجرّب.. نحضر محاضرات خارج تخصصنا، نشارك في أنشطة لم نفهمها تمامًا، نقرأ كتبًا لا نعرف إن كانت تناسب أعمارنا أم لا، وننضم إلى نقاشات سياسية ودينية وفكرية، فقط لأننا نريد أن نفهم من نكون.

من الامتحان إلى المقصف 
إلى الجلسات الطويلة
الجامعة لم تكن محاضرات وامتحانات فقط. كانت جلسات لا تنتهي في «المقصف»، نقاشات تبدأ من السياسة، وتنتهي عند أغنيات فيروز..
كانت مكتبة الجامعة ملاذًا للبعض، ومسرح القاعة ملاذًا لآخرين، وكان كل طالب يختار عالمه، وشكل أيامه، وهويته الجديدة.

الصدمات الأولى.. والخيبات الجميلة
لم يكن كل شيء ورديًا.
بعض الأساتذة صدمونا بجفافهم، بعض الزملاء خذلونا، بعض الدروس كانت أثقل من قدرتنا على الفهم، وبعض الأحلام ذبلت حين عرفنا أن الشهادة لا تعني دائمًا «المستقبل».
لكننا تعلّمنا: تعلّمنا أن نتجاوز، أن نعيد ترتيب أحلامنا، أن نفهم أن الطريق أطول مما كنا نظن.

الجامعة كما كانت.. لا كما أصبحت
في «الزمن الجميل»، كانت الجامعة مختبرًا للحياة.
لم تكن مجرد «مقررات تُحمّل»، ولا «امتحانات عن بُعد»، ولا جداول مرسلة على تطبيق.
كان الأساتذة يُعرفون بـ»كاريزما» حضورهم، وكان بعضهم يغيّر مصيرنا بكلمة.
وكان الطالب الجامعي يُحترم في المجتمع، لأنه في عيون الناس مشروع سياسيّ، أو قائد، أو كاتب، أو عالم.
أما اليوم.. فقد تسارعت الحياة. صار كل شيء رقميًا، مختصرًا، ميكانيكيًا.
تراجع الحسّ العام بالانتماء، وكثرت الشهادات، وقلّ الشغف.
لكنّ مَن ذاق طعم الجامعة «في الزمن الجميل»، يعرف أنها لم تكن مكانًا للدراسة فحسب، بل زمنًا له رائحة وطعم.. وعُمرًا يُعاش لمرة واحدة.

أترك تعليقاً

التعليقات